Al Jazirah NewsPaper Monday  08/06/2009 G Issue 13402
الأثنين 15 جمادىالآخرة 1430   العدد  13402

براكين العِيص وخيبر في العصر الجاهلي
أ. د. عبدالعزيز محمد الفيصل

 

مأساة العيص أثرت في كل بيت سعودي، فالكبار والصغار يتابعون زلازل العيص، ويتوقعون انفجار البركان، ولكن الله دفع الشر فبدأت أرض العيص في الاستقرار، مما جلب الطمأنينة للسكان الذين تركوا مزارعهم ومتاجرهم، فهم ينتظرون، وما أطول أيام الانتظار، بل ساعاته. وطلاب العيص في قلب المعاناة،

فهم مشتتو الذهن بين مدارسهم في العيص والمدارس الأخرى، فالطالب قد ألف السير مع أستاذه وزملائه، واليوم لا يعرف ما يحدث له في المقرر مع اختلاف المدارس والأساتذة، إن الكوارث الإنسانية فوق طاقة البشر، ونحن في هذه البلاد جزء من العالم يصيبنا ما يصيبهم، ونحمد الله على قلة الأضرار التي لحقت بمنطقة العيص، وما ذلك إلا بعزم ولاة الأمر واليقظة لكل صغيرة وكبيرة، لقد سمعنا بزلازل مات فيها أنفس وتهدمت بيوت لم تتجاوز قوتها خمس درجات بمقياس ريختر، وهزات العيص مرت بسلام فالشكر لله والحمد له.

إن منطقة المدينة المنورة من المناطق المعرضة للزلازل والبراكين وينظر إلى بركان العاقول الذي لا يبعد عن المسجد النبوي إلا بمسير ساعة على الأقدام أنه أقدم بركان مدون في منطقة المدينة وقد ثار البركان في سنة 654هـ وسالت حمم في وادي العاقول بالمدينة مكونة سداً عرف فيما بعد بسد العاقول، وهو سد طبيعي صنعه البركان، وفي الواقع أن بركان العاقول ليس البركان الأقدم في منطقة المدينة، فقد عرفت المنطقة البراكين في العصر الجاهلي برواية رجال عرف تاريخهم بالإضافة إلى الشعر الذي قيل في تلك البراكين، فبركان حرة النار دام اشتعاله في العصر الجاهلي، وحرة النار هي الجانب الشمالي الغربي من حرة خيبر، والعيص تقع في الجانب الغربي من حرة خيبر، وبالعيص حرة الشاقة حيث توقعت هيئة المساحة الجيولوجية ثوران بركان في هذه الحرة المجاورة لحرة النار، فعلى الرغم من تباعد الأزمان يحدث ما يقدره الله لهذه الأرض من حركة واهتزازات أو شقوق وانفجار براكين.

لقد عرف بركان حرة النار في العصر الجاهلي، وكانت النار ترى عن مسير ثلاث ليالٍ، وفي النهار دخان يفور، واشتهرت نار البركان في الجاهلية بنار الحدثان، وبما أن النار عالية اللهب ويضيء نورها ما حولها فقد أطلق عليها بعض العرب نار الحرتين.

أي حرة النار وحرة ليلى، قال الشاعر:

ونارُ الحرتين لها زَفِيرٌ

يصمُّ لهوله الرَّجُلُ السَّمِيعُ

وقد افتتن بتلك النار بعض العرب فعبدوها تشبهاً بالفرس الذين يعبدون النار، وقد أنكر أصحاب العقول من العرب عبادة نار الحدثان (البركان) فانقسمت الآراء حول إنكار عبادة نار الحدثان، وممن أنكر عبادتها خالد بن سنان الذي اتصف بالصفات الحميدة والبعد عن كل منكر، وقيل إنه نبي وأنه ذكر لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقال: (ذاك نبي ضيعه قومه) فما زال خالد بن سنان ينهى قومه عن عبادة نار الحدثان ولكنهم لم يرتدعوا فخرج إلى النار ومعه درة حتى انتهى إلى طرفها فجعل يضربه بالدرة ويقول: (بدا بدا كُلٌّ هدى الله تُودى أنا عبدالله خالد بن سنان)، وقد سار مع اللهب حتى انتهى إلى قليب فانساب اللهب فيها وخمد اشتعاله منذ ذلك اليوم.

وزمن خالد بن سنان الذي أطفأ نار الحدثان معروف، فممن شهد وفاته ودفنه عمارة بن زياد الذي قتل في يوم زرود الأول، ويوم زرود الأول قبل حرب داحس والغبراء، تلك الحرب التي دامت أربعين سنة واشترك فيها الربيع بن زياد أخو عمارة بن زياد، ورئيسا حرب داحس والغبراء قيس بن زهير وحذيفة بن بدر، والربيع بن زياد هو الساعد الأيمن لقيس بن زهير وقد رافقه في جميع أطوار الحرب والذي يهمنا من حرب داحس والغبراء هو اشتراك الربيع بن زياد في هذه الحرب، فزمنها معروف لأن حذيفة بن بدر خلفه على الرئاسة ابنه حصن، وقد تولى الرئاسة بعد حصن ابنه عيينة بن حصن، وعيينة بن حصن صحابي صحب النبي صلى الله عليه وسلم في فتح مكة وشهد حنيناً والطائف، وهو من المؤلفة قلوبهم، فقد أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم من غنائم حنين أكثر مما أعطى غيره مما جعل العباس بن مرداس يقول:

أتجعل نَهبي ونهب العُبَي

دِ بين عيينة والأقرع

وما كان حصن ولا حابس

يفوقان مرداسَ في مَجمَع

الأخبار متواترة في صحبة عيينة بن حصن، وآباؤه وأجداده أعلام فسلسلة نسبه معروفة، فوالده حصن وجده حذيفة ووالد جده بدر، فعمارة بن زياد معاصر لبدر، والربيع بن زياد أخو عمارة حارب حذيفة بن بدر في معارك كثيرة فيكون زمن عمارة بن زياد معروف وهو ممن شهد وفاة خالد بن سنان الذي أطفأ نار الحدثان، فيكون بركان حرة النار قبل البعثة بثلاثة أجيال أي قبل البعثة بتسعين سنة أو مائة سنة، ويكون بين هذا البركان وبركان المدينة المعروف ببركان العاقول سبعة قرون ونصف، وبين بركان المدينة وزلازل العيص الحالية سبعة قرون ونصف، فلا يستبعد أن يثور بركان في هذه المنطقة إذا كان الله سبحانه قد رتب حوادث الكون بهذا الترتيب، أي أن بركان هذه المنطقة يثور بعد سبعة قرون ونصف القرن فالله سبحانه وتعالى رتب منازل الشمس والقمر والكسوف والخسوف والزلازل والبراكين والأعاصير، وكل أمور الكون تسير بنظام.

إن هذا الجزء من أرض الجزيرة العربية جعله الله متنفساً لباطن الأرض عن طريق الزلازل والبراكين، ولله في خلقه شؤون.

وأعود إلى القول: إن القلوب مع أهل العيص في حلهم وترحالهم قلوب ولاة الأمر وقلوب عامة الناس. اللهم ادفع عنا الزلازل والمحن وكن مع أهل العيص في محنتهم التي أخرجتهم من بيوتهم فقلوبهم معلقة ببيوتهم وقراهم ومزارعهم ومتاجرهم ومدارس أبنائهم ومساجدهم، إن المحنة التي حلت بهم سحابة صيف، فعودتهم إلى بيوتهم قريبة بإذن الله.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد