الإنسان الذي يطل دوماً من رحم حروبه ودمائه وحطامه، مخلفاً الألم وراء ظهره متأبطاً حقيبة الأمل، فلا تركعه أو تقهقره فداحة المصائب.
ذلك التوق الغامض المتأصل في أعطافه لتحدي نذر الموت والفناء والانتصار لإرادة الحياة، من بين دخان حطام المرحلة البوشية (نسبة إلى الرئيس الأمريكي السابق) يُفاجئنا صوت جديد ونبرة مختلفة تتقاطع مع تلك النبرة المتعجرفة المتوحشة المحمَّلة بالتهديد التي كان تحملها الإدارة السابقة والتي وصفتها جريدة اللومند الفرنسية بعد انتهائها (بالمرحلة الكارثية) وأجمعت الصحافة العالمية على كونها أسوأ مرحلة مرَّت على الولايات المتحدة في العصر الحديث.
لكنه الإنسان ومصيره الأبدي للانتصار لنزعات الخير والسمو والاستمرارية من مجازر محاكم التفتيش والحروب الدينية خرج لنا أول وثيقة لحقوق الإنسان وحلمه المتصل (بالحق - الخير - الجمال)، ومن بين دمار وهشيم وملايين القبور الجماعية في الحرب العالمية الثانية انبثق ضوء منظمات الأمم المتحدة، ومن بين الفجائع ومزق الأشلاء والمطر النووي الأسود صنعت أعجوبة اليابان الحديث.
الإنسان الذي يأبى أن يرضخ للجانب المعتم المظلم في أعماقه، أبو البشر الذي خلف معزوفة إبليس المغوية وراء ظهره وانطلق في إعمار الكون، الجبلة البشرية القائمة على ولادات متصلة، وحلم لا ينكفئ.
هيمن المغوي على وجه الأرض فظهرت لنا أمريكا في أبشع تجلياتها الإمبريالية المتغطرسة الساعية إلى إخضاع العالم, والمذلة للدستور الأمريكي عبر غوانتنامو، لكن القانون الكوني سرعان ما يخضع الشر، فاضمحل الكابوس وظهر لنا وجه آخر للحلم الأمريكي، برئيس ملون يختصر حوار الأديان في أعطافه بنصف مسلم والنصف الآخر مسيحي، منتخب بإجماع شعبي أمريكي كقائد للإمبراطورية العظمى الساعية إلى خطاب إنساني عالمي ينسجم مع حمولتها الحضارية وتقدمها العلمي.
كم من القناديل أُضيئت في خطاب الرئيس أوباما التاريخي على درب لطالما كانت مرتعاً لقُطّاع الطرق والغيلان والسعالي، كما مشعل لوح به في وجه الوحوش التواقة إلى دماء الحروب المقدسة.....حينما بدأ خطابه بسلام أهل الجنة (..... السلام عليكم - قررت أن تبدأ جولتي من مهد الإسلام......).
هل نصعد التفاؤل هنا إلى طاقاته القصوى؟ هل نضيء الماضي المعتم بينابيع الأمل؟ هل نحن نشهد منعطفاً تاريخياً انتصر فيه البشر لإنسانيتهم؟
لا أدري ولكنني اخترت ضفة التفاؤل.