بشمعة خافتة يمكن للعابر في الظلام أن يستدل, وبكلمة حكيمة يُصَدُّ ثغرُ لهاوية، وبفكرة راجحة تتلافى مركبةٌ أن تضل المسار, والأقدمون كانت نواصيهم عيونا بعيدة النظر، فهم يجلبون الحكماء والعلماء والأدباء لتربية أبنائهم، ولا يعيشون في واد بعيد عن المفكرين، إذ كان هؤلاء قبلتهم التي يتجهون إليها، ويوجهون صغارهم نحوها للأخذ والتعلم والاستزادة، ولعلهم كانوا يجعلون من الترحل بين منازلهم هدفا وغاية، لا تقل أهمية عن الترحل للتجارة، وللعيش من الأرض حيث الرواء والإخصاب, لذلك كبر السر فيهم فغدوا أئمة التصنيف والتأليف والحكمة والعلم على بدايات لم يتمها اللاحقون، بل توقفوا عن هذا المعين الثر بالحكمة والرجاحة وظلوا قرونا يجترون عبارات توهموا بها أنهم السابقون في العلم والفكر والتوسع وملكة الابتكار، حتى غدا تأريخهم لقمة سائغة للآخرين، ومن حيث توقف الأقدمون منا بدأ اللاحقون من الأمم الأخرى، وتخطوا أصحاب الإرث الذين عاشوا على الأوهام والكلام، وفرطوا في سر تفوق أجدادهم، وأسس البناء ودعائمه التي انطلقوا عنها وبها..
** لم يكن هدر الوقت إلا مقصلة للعمر، ومضيعة للنتائج، وطامسا للومضات, عكس ما فعل الأسبقون أولئك، الذين كانوا يرصدون الحكمة من الأفواه، ويسعون للمعلومة في المفازات والكهوف، ويسهرون على أشعة القمر، ووقيد الجمرة عند أطراف التخوم ليستزيدوا ويزودوا صغارهم بما يوقد الصدر والرأس، ويشعل الأقدام ويستحث الهمم، فما يقول الجميع الآن وهم مبسوطة أمامهم أيام شهور الإجازة؟ هل سيكونون بحكمة الوقت؟ أم بهدر الدعة..؟ نحو جيل تزداد أعداده.. وتتسع أمامه متطلبات أيامه الراهنة والقادمة أكثر..؟