مع إذاعة خبر (التمديد) للمجالس البلدية في الرابع والعشرين من الشهر الماضي.. لعامين متتاليين، بعد أن وافق مجلس الوزراء (على نقل الأحكام المتعلقة بالمجالس البلدية الواردة في نظام البلديات والقرى الصادرة بالمرسوم الملكي، وإفرادها بنظام خاص للمجالس البلدية)... وذلك بغية إعطاء فسحة زمنية أطول...
...كما يفهم من سياق الخبر - لوزارة الشؤون البلدية والقروية ل(رفع مشروع نظام المجالس البلدية وفقاً للإجراءات النظامية المتبعة)؛ لدراسته ف(إقراره).. كنت - مصادفة- أنتهي من قراءة كتاب هام عن (المجلس) الأكبر.. وأعني به (مجلس الشورى)، الذي تولى تحريره الصديق والإعلامي الكبير وعضو المجلس السابق الدكتور عبدالرحمن الشبيلي، وأسهم في كتابته ثمانية من أعضاء المجلس الذين تواصلت عضويتهم فيه لدوراته الثلاث الأول من عام 1414ه إلى عام 1426ه، ومن هنا تأتي أهمية هذا الكتاب؛ لأن هؤلاء الثمانية إنما يمثلون -حقيقة- ثلثي الأعضاء الاثني عشر الذين بقوا في المجلس منذ نشأته، وإلى نهاية الدورة الثالثة عام 1426ه.. حيث لمعت في ذهن الفقيد الدكتور صالح عبدالله المالك الأمين العام السابق للمجلس أثناء مرضته الأخيرة بالمستشفى في شهر صفر من عام 1429ه، وعند زيارة بعض من أصدقائه وزملائه له (د. زياد السديري، ود. عبدالرحمن الجعفري، ود. صالح بن زيد الفالح، ود. عبدالرحمن الشبيلي).. فكرة (تسجيل ذكريات) و(توثيق تجربة) و(تدوين تقويم) من يرغب من هؤلاء الأعضاء الاثني عشر.. وإصدارها في (كتاب) قد يفيد (زملاءهم القادمين، وينفع في إثراء جهود استمرار تطوير هذا المجلس العزيز)، الذي انقطع فعلياً عن الحياة لما يزيد عن أربعة عقود وإن بقي (شكلياً) و(لم تنقطع جلساته حتى نهاية عهد المغفور له الملك خالد).. حيث تعهد الدكتور السديري (الفكرة) باستضافته لاجتماعين متلاحقين في الشهر الخامس من عامي 1429ه و2008م، لتتبلور في الأخذ ب(اقتراح) الدكتور المالك، والاقتصار في هذا (الإصدار) على من يرغب (من الاثني عشر عضواً الذين امتدت عضويتهم من عام 1414ه إلى عام 1426ه، وأن يصدر هذا الكتاب مع نهاية عام 1429ه (كي يُستفاد من أفكاره مع بدء الدورة الخامسة للمجلس ربيع الأول 1430ه).. مع اختيار الدكتور الشبيلي (لتحرير الكتاب والإشراف على إخراجه وطبعه)، كما أشار الدكتور الشبيلي في مقدمته ل(الكتاب).. الذي صدر فعلاً في موعده مع نهاية عام 1429ه - عام 2008م.. بعنوان: (مجلس الشورى - قراءة في تجربة تحديثه)، وب(سبعة محاور)، هي تلك التي تم الاتفاق عليها بين الراغبين (المجلس بوصفه سلطة تنظيمية، نظام المجلس ولوائحه، عضوية المجلس، أداء المجلس، المجلس والمجتمع، المجلس والهيئات الأخرى، وأخيراً: التجربة الشخصية لكل عضو).. على أن ترسل المساهمات للمحرر - الدكتور شبيلي - لإعادة صياغتها ثم مراجعتها من قبل أصحابها، أما المحور السابع.. فينشر كما ورد من أصحابه..!
***
لقد كان هؤلاء الثمانية.. هم من شهود الأيام والشهور والسنوات الأولى من عمر بعث المجلس مجدداً في شهر شعبان من عام 1412هـ (1992م)، وانعقاد دورته الأولى في شهر رجب من عام 1414هـ.. وكانوا قبل ذلك - وهذا هو الأهم - من أكفأ الكفاءات؛ علماً ومعرفة وتخصصاً.. من التخطيط إلى القانون والاجتماع وإدارة الأعمال إلى الإعلام والصحة والإدارة العامة، وقد شاركوا مع زملائهم الستين.. فالتسعين.. فالمائة والعشرين عضواً في سنوات التأسيس بكل اجتهاداتها وإيجابياتها وتجاريبها حتى استقام المجلس وتجذرت آليات أدائه عبر رئاستيه مع الشيخ محمد بن جبير، فالشيخ الدكتور صالح بن حميد.. حتى كسب ثقة القيادة وأمل المواطنين فيه إجمالاً.
على أي حال.. وقبل أن أذهب في قراءتي إلى المحور الأخير: محور (التجربة الشخصية) لكل عضو؛ لأرى عن قرب آفاق تفكير الأعضاء الأعزاء في (المجلس).. وفي حاضره ومستقبله، كان الدكتور الشبيلي يسعدني في ختام المحور الأول (المجلس: السلطة التنظيمية) بتلخيصه لما ذكره زملاؤه في هذا المحور عندما قال: (ولكن ما يعنينا.. هو الإجابة عن السؤال المطروح في مطلع هذه الفقرة، عن الوظيفة الشورية للمجلس؛ إذ يرى بعض المشاركين في هذه الدراسة أن حكمة الشورى ومقاصد الديمقراطية يمكن أن تتحقق من خلال الإجراءات المتبعة في المجالس الشورية الحديثة القائمة، شريطة توفر أربعة أمور:
الأول: إلزامية القرار (الصادر عن مجلس الشورى).
الثاني: سلطة الرقابة السابقة واللاحقة على أداء الحكومة، وعلى ميزانية الدولة.
الثالث: التوصل إلى صيغة توافق بين الانتخاب والتعيين.
الرابع: عدم حرمان المرأة من المشاركة في العملية الشورية)... حتى بدا لي أن ما لخصه الدكتور الشبيلي.. وكأنه يمثل الجانب الأكبر من الصلاحيات التي يرجوها الكتّاب والمفكرون وأصحاب الرأي، ويتمناها المواطنون على اختلاف درجاتهم ل(المجلس)؛ حتى يؤدي مهامه الشورية أمام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وحكومته.. على أكمل وجه.
***
على أن ما ذكره الأعضاء الأفاضل في (المحور السابع) والخاص ب(تجاربهم الشخصية) ورؤاهم نحو مستقبل المجلس وآفاقه.. لم يكن بأقل أهمية مما لخصه الدكتور الشبيلي إجمالاً، فقد كان هناك ما يشبه الإجماع بينهم على الإلحاح في طلب زيادة صلاحيات (المجلس).. بالاطلاع على ميزانية الدولة لمناقشتها قبل إقرارها، كما قال الدكتور السديري والسباعي والفالح والأستاذ الشريف، أو أن يكون المجلس منتخباً جزئياً أو كلياً كما قال الدكتور الجعفري.. أو أحقيته في استدعاء الوزراء وعدم الاكتفاء بمناقشة تقارير الوزارات وإصدار التوصيات بشأنها، التي تتحول عند عودتها للوزارة المعنية.. ل(إعلام) بها دون (إلزام) بما جاء فيها.. بل طُرح في تلك التجارب الشخصية ما هو أكبر وأعرض، وربما أقرب إلى احتياجات الوطن في مستقبله القريب أو البعيد كما ذكر الدكتور الفالح على سبيل المثال، وهو يقارن بين حالتي الاكتفاء ب(مجلس للشورى)، أو ب(مجلس نيابي)، ليجمل رأيه قائلاً بأنه (يرى الجمع بين الأمرين، وذلك بإنشاء مجلسين: مجلس للشورى.. يختار له أصحاب الرأي والخبرة، ومجلس نيابي.. تُمثل به المناطق عن طريق الانتخاب الكلي أو الجزئي).
لأستعير في ختام قراءتي لهذا المحور.. ما قاله الدكتور غازي القصيبي.. وهو يستقبل في صحيفة (الحياة) الستين عضواً الذين تم اختيارهم وتعيينهم لأول (مجلس للشورى)، والذين كان من بينهم هؤلاء الذين كتبوا هذا (الكتاب) (مجلس الشورى - قراءة في تجربة تحديثه): (جئني بمثلهم)..!! في معرض إشادته بمبدأ (التعيين) على مبدأ الانتخابات الذي يأتي أحياناً بمن لا يستحق نظراً لعزوف من يستحقون عن خوض المعارك الانتخابية.. والنأي بأنفسهم عن ألاعيبها.
لقد كان الكتاب ب(جديته) وعقلانيته ووطنيته وحرصه على قيادات الوطن ومكتسبات مواطنيه.. يمثل - في مجمله - وبحق أجندة ل(الصلاحيات) المرجوة، ولتطور المجلس المأمول عبر السنين..!
***
إن قضية الانتخابات (الكلية) التي يدور حولها الانتظار في (المجالس البلدية)، أو (الجزئية) التي يتطلع إليها المتطلعون.. ل(مجلس الشورى) ليست هي القضية المحورية في هذه المرحلة وإن جادلني أنصار الانتخابات على التعيين، ولكن القضية المحورية، تكمن في (الصلاحيات) الممنوحة لهذه (المجالس)، التي بها يتحقق الهدف من إنشائها وقيامها.. وب(غيابها) تُفرَغ من مضمونها، وتصبح عبئاً على الوطن وقيادته.
***
ورحم الله الدكتور صالح عبدالله المالك.. أمين عام مجلس الشورى السابق، وأسكنه فسيح جناته.. فقد خدم (المجلس) بعضويته وأمانته.. حياً، وخدمه وهو على فراش المرض ب(اقتراحه) في إصدار هذه (المدونة).. هذا الكتاب الثمين حقاً.
جدة- 11-6-1430هـ - 4-6-2009م