تم التعبير بشكل احتفالي ظاهر بخطاب وُصف على أنه خطاب تاريخي في صياغة محتواه واختيار مكانه وتعبيراته. ولم يسبق تاريخياً أن لمس رئيس أمريكي عقول وعاطفة المسلمين كما فعل أوباما.
وكل من استمع لخطاب الرئيس الأمريكي يكتشف أن لغة من الأمل والتفاؤل والعقلانية ستمسك بزمام العالم، لكن لنتذكر بشكل دائم أنها عقلانية وتفاؤل لجهة تملك في الوقت ذاته زمام القوة ولديها أكبر قوة عسكرية ضاربة في التاريخ وهذا بُعد آخر يميزها، لأن التفاؤل والتسامح حين يأتي من الأقوياء فهو شجاعة ورغبة في الاستمرار. اختار توماس جيفرسون الذي قال (إنني أتمنى أن تنمو حكمتنا بقدر ما تنمو قوتنا، وأن تعلمنا هذه الحكمة درساً مفاده أن القوة ستزداد عظمة كلما قل استخدامها).
طبعاً لا ننسى أن الرئيس الأمريكي يحمل إرثاً سلبياً ثقيلاً من الإدارة البوشية السابقة وسياساتها التي أوصلت العالم إلى عنف لم يكن ليتوقف. أوباما كان واضحاً في توصيف أمريكي وأعطاها صفة استمرارية تاريخية مهمة لجانب شراكاتها وإسهاماتها في مسيرة البشرية، ليبعد عنها الصبغة البدائية الأمبراطورية، (الصورة النمطية البدائية للإمبراطورية التي لا تهتم إلا بمصالح نفسها لا تنطبق على أمريكا). إضافة إلى تكوينها القائم على أسس التنوع الحضاري والديني والعرقي، والإسلام ظل دائماً جزءاً لا يتجزأ من قصة أمريكا، ويوجد في الولايات المتحدة أكثر من 1200 مسجد كما أعلن في خطابه.
وبالتأكيد فإن تحقيق الأمل والتغير والسلام الذي يبشر به أوباما يحتاج إلى كثير من الوقت والعمل، إلا أن إصرار أوباما على زيارة القاهرة المكتظة بالمباني العشوائية والسكان والمرور بأكثر من معلم سياحي بعيداً عن أناقة شرم الشيخ التي ظلت محطة لقاء الرؤساء الزائرين لمصر، تؤكد أن هذا الرئيس جاد في مواجهة التحديات، ويسجل له -وبحسب صحفي مصري أنه زار العاصمة المصرية، فالزميل الذي يقترب من عقده الرابع لا يتذكر في أن رئيساً أمريكياً سابق زار العاصمة وأحياءها الفقيرة وأهم معالمها التاريخية لأسباب أمنية.
إوباما استشهد بأكثر من آية وحاول أن يسجل لكل الأفكار الإنسانية الرائعة المشتركة. لقد كان يدافع عن الثقافة الإسلامية أمام العالم الذي نقل خطابه باهتمام غير مسبوق، اقتبس من القرآن الكريم: {مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً}.
سمعناها جميعاً، لكن بعضنا فكر بالتأكيد، ماذا حدث؟ كيف انحرفنا بإسلامنا عن مبادئه الإنسانية العظيمة، هل فعلاً نحن بحاجة لأوباما ليذكرنا بما غفلنا عنه وشوهناه؟.
إلى لقاء
nsarami@gmail.com