* قيل: اثنان لا يجتمعان في نفس واحدة: عشق المال، وعشق الجمال، ووراء ذلك فلسفة عميقة عظيمة لا يفطن إليها من حُرم الاثنين، أو من لم يستظهر أبعادهما في الحياة وفي السلوك. المتعة بالمال مفقودة إلا حين تحلّق بصاحبها في فضاءات ومدارات الجمال بمفهومه الواسع الذي يتجاوز عالم الماديات. متعة المال لا تشرق على النفوس المظلمة المنطوية التي لا تستشعر المعنى الحقيقي للوجود الإنساني، ولم تدرك غاياته وأسراره.
|
* من النادر أن تجد من يتخذ من المال وسيلة كبرى إلى غاية كبرى تكمن في تذوق الجمال والبحث عن أسبابه، أولئك النوادر هم من حازوا المجدين في نظري. هم أولئك الذين أفاضوا بالسلام على الكون، وفجروا السعادة في النفوس، وخلعوا الجمال على الحياة، وأداتهم في ذاك كله الفن. الفن الراقي الذي يتوارى أمامه كل شيء.أداته الصورة، أداته الكلمة، أداته النغمة، أداته الفن بهذه الوسائل نرسم ملامح الجمال في الحياة.
|
* المادة قد تغشي بعض الأبصار، وتحجب عنها الاستمتاع في مجالي الكون والحياة، لأنها تحيل الحياة المتفائلة على نحو مما صوره الشاعر:
|
ومن حجبت عيناه، فالوقت كله |
لديه، وإن لاح الصباح غروبُ |
* تذوق الجمال من أهم خصائص العقل البشري، وما أبشع ذلك العقل الذي يجعل من المادة صنماً يقدّس، أو إلهاً يعبد، إذ تكون الحياة بهذه الصورة لا طعم لها ولا رائحة، لأنه يدمر نسيج هذه الحياة، ويقضي على كل القيم النبيلة والسامية بداخلها. ومتى قضينا على تلك القيم حكمنا على العقل البشري بالانطفاء.
|
* المال ليس نداً للجمال كما يفهم بعضهم، بل يفترض أن يكون خادمه المطيع، وأحد معجبيه وعاشقيه، وتذوق الجمال لا يرتبط بمرحلة عمرية محددة، ولا ببيئة جغرافية أو مناخية معينة، فقد يعمر حياة الطفل، والمراهق، والشباب، وكبير السن، المرأة والرجل، ولكل مرحلة وجنس من المقاييس والمعايير ما تختلف به عن غيرها إن أُحسن الاختيار.
|
* يظل وجدان الإنسان خاوياً ما لم يظل سلطان المال، وسلطان القوة، وسلطان الملك أو غير ذلك من أنواع السلطات، أقول ما لم تظل هذه السلطات تدور في فلك الجمال، وتحوم حوله، وتسعى للاقتراب منه، وبمقدار التداني، أو التباعد يكون الاستمتاع بالحياة والظفر بملذاتها، أو عكس ذلك.
|
* كلما نأى الإنسان بنفسه عن عالم الماديات وجد قلبه عامراً بالمحبة، حافلاً بالود، مملوءاً بالتضحية، لأنه يتعامل مع الحياة الفطرية، في عينها، وطهرها،، ونقائها، وأزليتها، وأبديتها من غير غرض أو منفعة.
|
|
* هناك مسارح للجمال ومراتع تستفز الخيال وتلهم العواطف، يقول (إيليا أبو ماضي):
|
عش للجمال تراهُ العين مؤتلقاً |
في أنجم الليل، في زهر البساتينِ |
وفي الجبال إذا طاف المساءُ بهِ |
و لفها بسرابيل الرهابينِ |
فكم أحسّ به أعمى فجنّ لهُ |
وحولهُ ألف راءٍ غير مفتونِ |
|