من سنن الله المتواترة المعروفة، وذات الحكمة البالغة، في الإنسان وفي الكون، سنة تغير الأحوال وتبدلها، وتنقلها من حال إلى حال، ومن سمة إلى أخرى. ومعلوم أن هذا التغير هو الذي يكسب الحياة حيوية وجاذبية، وهو الذي بتنوعه تتبدل الأحوال، وتتغير الأمور، وتنتكس حال قوم، ويرتفع آخرون، ويبدو هؤلاء وأولئك على حال غير تلك الحال التي كانوا عليها، أو عرفوا بها, اقرؤوا (الآية 140) من سورة آل عمران.
وحال الرتابة حال تبعث الملل والسأم، والسكينة والدعة، والبطء والترهل، وبسببها تتوقف عجلة العطاء، وتبدو الأمور باهتة ساكنة، وقد قيل: الماء الراكد يأسن.
وفي اختلاف الليل والنهار عبرة، وكذا في اختلاف الفصول وتنوعها، وفي تغير خصائص الإنسان وسماته خلال مراحل نموه، عبر تبدو جلية، فيما لو أن أحد هذه المتغيرات وغيرها بقي على حال واحدة فهل سيكون لهذه الحال بريق وجاذبية؟
هل ستكون مشوقة مبهجة؟
تصوروا لو أن الحياة ليل أو نهار فقط، أو أن أحد فصول السنة ظل سائدا غالبا بمناخه، أو أن حالة الإنسان النفسية أو العقلية بقيت على حال نسق واحد ثابت لا يتغير، أو أجبر أحدنا على نوع محدد من الأكل أو اللبس أو أي شأن من شؤون الحياة، هل تتقبل النفس هذا؟ أو تستمتع به؟
الأكيد أن الحياة ستكون مملة رتيبة، لا طعم لها ولا لون ولا رائحة، ستفقد حيويتها، وقيمة التنوع والتبدل، والإثارة والمتعة.
لهذا فمن مسلّمات الأمور أن تفرح النفس للتغيير الذي يحصل في شؤون الحياة عامة، ويبدو الأمر جليا عندما يحصل تغيير في التكليفات الإدارية؛ حيث تتشوق النفوس إلى الآتي الجديد، لتطرد عنها ما لحق بها من سأم وملل من طول البقاء وحال الركود والخمول، وفي الوقت نفسه يتطلع المراقبون إلى الآتي برؤية أخرى، علهم يجدون فيه ما يحقق الآمال والطموح، أو نيل ما قصرت عنه الجهود السابقة وعجزت عن تحقيقه، هنا يتجدد الأمل، ويلوح في الأفق بريق فجر جديد علّه يشرق بنجاحات، وتغلب على العثرات.
ونظراً إلى كون الأعمال - أخص الحكومية - تسير في ضوء رؤية الأفراد الذين يديرونها، وفي مناخات التغيير تنشط فئة تعد نفسها مخلصة مصلحة، تنطلق من الشعار المعروف (إن أريد إلا الإصلاح)، وتنشط جاهدة في تقليب صفحات الماضي، تنقب عن سقطة أو هنة، لتطرق من خلالها أبواب الآتي الجديد، تتقرب إليه زلفى بالكذب والبهتان، والتهويل والتضخيم، ولي الحقائق وتشويهها، تشكك في الأمانات، وتطعن في الذمم.
ولهذه الفئة المأزومة في فكرها ووجداناتها سمات، منها استمراء أكل لحوم المخلصين، ونهش أعراضهم، وأنها لا تستريح ولا يقر لها قرار حتى توغل في همز هذا ولمز ذاك، تسعى في الجهاز الذي تعمل فيه فساداً وتفريقاً، وأنها لا تستحي ولا تخجل، حيث تعرف بالكذب والانقلاب رأسا على عقب؛ فهي سرعان ما تنقلب على من سبق أن سبحت بحمده وتمجيده، والثناء على جهوده، بمجرد أن ترك مكانه، تتقرب إلى الآتي الجديد زلفى بالطعن في السابقين دون حياء، باستعراض مثالبهم وهناتهم، وتحمليهم ما لم يقولوا وما لم يفعلوا، وقد فعلوا هذا وقالوه للمسؤولين السابقين عندما تسنموا مهمات العمل ممن سبقهم.
ولهذه الفئة نقول: اقرؤوا الآية 12 من سورة الحجرات، وما قاله المفسرون فيها، لعل الله يفتح على قلوبكم وعقولكم، لتتجنبوا هذه السمة البغيضة. وعلى المسؤولين أن يتنبهوا إلى أن هذه الفئة ينطبق عليها مدلول الآية 11 من سورة القلم؛ لذا لا تسمعوا لهؤلاء واحذروهم.
Ab_moa@yahoo.com