إن هذه العلاقة الحميمة التي شكلتها إسرائيل مع الولايات المتحدة الأمريكية خليط من العلاقات الإستراتيجية والايديولوجية لكلا البلدين بدا عليها الفتور وبدأت رياح التغيير الأمريكية تهب على المشاريع السياسية الإسرائيلية وشعر القادة الإسرائيليون بأن الرياح الأمريكية قد لا تناسب أشرعة سفنهم وهو ما دفع مفكريهم إلى الشماتة بهذه القيادات وانتقادها ومطالبتهم لهم بالتنحي في ظل تغير المواقف الأمريكية تجاه إسرائيل والتي من أهمها الآتي:
أ - بدأت الولايات المتحدة الأمريكية تشعر بأن إسرائيل عبء ثقيل على كاهلها وأنها لم تعد حامية للمصالح الأمريكية في المنطقة بل إنها اضطرت إلى جلب الجنود وصواريخ الباتريوت لحمايتها. وتراجعها في حربها بجنوب لبنان مما دفعها إلى الانسحاب من طرف واحد عام 2000م وتوجيه جيشها إلى قمع الانتفاضة في الداخل وخسارتها في حرب الأربعة والثلاثين يوماً عام 2006م في جنوب لبنان أيضاً وعدم قدرتها على السيطرة على المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
ب - استقالة رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي وهو من الصقور الذين قادوا السياسة الأمريكية في احتلال العراق بحجة مكافحة الإرهاب وامتلاك العراق لأسلحة التدمير الشامل لتتفق مع طموحات وأهداف القيادات الإسرائيلية، وجاء في تعيين روبرت غيتس وزيراً للدفاع الأمريكي خليفة لرامسفيلد الذي صرح بأن إسرائيل تمتلك أسلحة نووية وهو ما عده بعضهم دعوة إلى إسرائيل لتحمل مسؤولية نفسها دون الاعتماد على الدعم الأمريكي.
ج - نشر الرئيس السابق جيمي كارتر وهو ديمقراطي كتابه الذي اعترف فيه بحق الشعب الفلسطيني وهو ما يعد سابقاً خطوطاً حمراء لا يمكن تجاوزها للقادة والساسة الأمريكان.
د - صدور تقرير بيكر وهاملتون واحتوائه على توصيات تتضمن ضرورة حل النزاع العربي الإسرائيلي (مشكلة فلسطين) وضرورة التواصل مع الدول الفاعلة إقليمياً.
هـ - فشل زيارة ايهود أولمرت (رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق) إلى الولايات المتحدة الأمريكية واجتماعه مع الرئيس جورج دبليو بوش الرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية، وذلك بسبب شعور المواطن الأمريكي بأن إسرائيل هي وراء دفع الولايات المتحدة الأمريكية لاحتلال العراق وما يعانيه الجيش الأمريكي من خسائر فادحة نتيجة المقاومة العراقية.
و - إن الزيارات التي كانت تقوم بها كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة لإسرائيل يعدها بعضهم قاسية وسلبية وقد قللت من ابتساماتها وهي تحاول أن تدفع القادة الإسرائيليين إلى المرونة والتعاون في إطار حل المشكلة الفلسطينية.
ز - عكفت إدارة بوش (الإدارة السابقة) على دراسة وبلورة سياسة جديدة في الشرق الأوسط حيال الانسحاب من العراق والتحاور مع دول المنطقة والتدخل بين الفلسطينيين والإسرائيليين لحل القضية مما جعل الساسة الإسرائيليين يشكون في مستقبل دولتهم.
ح - تساءل بعض المسؤولين الأمريكيين. لماذا ليست هناك مبادرة من الجانب الإسرائيلي؟ ولماذا ضيعت إسرائيل الفرصة عندما انتقدت دول عربية معتدلة حزب الله؟ فعلى إسرائيل أن تفعل المزيد من أجل نفسها! ويجب إحياء عملية السلام!.
طبعاً لا يمكن الاستنتاج من ذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية سترمي إسرائيل جانباً ولكنها قد تتبنى خططاً لدمج إسرائيل إقليمياً وتغيير الأولويات في برنامجها لمكافحة الإرهاب في الوقت الذي تراعي فيه مكانة إسرائيل ودورها ويتضح لنا ذلك من خلال طرح مشروع الشرق الأوسط الجديد والترويج له في المنطقة، ولكن على الرغم من ذلك فإن إسرائيل بقدر ما تنظر لعلاقاتها بواشنطن بحكم أنها ذخر استراتيجي لها بقدر ما تتوجس من تبعات هذه العلاقة التي بدأت تؤثر فيها رياح التغيير والتي برزت مجدداً من خلال الحملة الانتخابية الحزبية عام (2008م) لمرشح الحزب الديمقراطي الذي خاضها السناتور أوباما (الرئيس الحالي) للسباق إلى البيت الأمريكي تحت شعار (نريد تغييراً نثق به)، الأمر الذي جعل رئيس المنظمة اليهودية الأمريكية مالكوم هونلاين يقلق كثيراً من هذا التوجه الأمريكي ويقول (إن التأييد الأمريكي لإسرائيل كبير ولكن قد يكون مؤقتاً، وهناك إمكانية ظهور مواقف متطرفة معادية لإسرائيل).
والقلق الذي يشعر به القادة الإسرائيليون وينظرون إليه بعين السخط من التوجه الأمريكي تجاههم انعكس بوضوح عندما غادر الرئيس نتنياهو غير مودع للمبعوث الأمريكي للشرق الأوسط جورج ميتشل الذي زار إسرائيل في سياق مهمته وذلك امتعاضاً من تصريح الرئيس الأمريكي الحالي أوباما ومطالبته بتخفيض المساعدات الأمريكية لإسرائيل، وقد أثار تصرف الرئيس نتنياهو انتقادات واسعة في الجانب الأمريكي.
وفي سياق هذه المواقف في ظل هذه المتغيرات يجب على الدول الفاعلة إقليمياً خصوصاً العربية منها أن تستثمرها وتستغلها باتجاه حل هذه القضية المستعصية، وذلك بتحويل هذه المتغيرات إلى قوى ضاغطة على الجانب الإسرائيلي لتمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته وإعطائه حقوقه المشروعة ليعم السلام والأمن في الشرق الأوسط.