Al Jazirah NewsPaper Saturday  06/06/2009 G Issue 13400
السبت 13 جمادىالآخرة 1430   العدد  13400
هل أصبح الاقتصاد العالمي رهين المضاربة بوعاء القيمة؟
محمد سليمان العنقري

 

حققت أسعار البترول قفزة كبيرة خلال شهر مايو الفائت بنسبة وصلت إلى 30 بالمائة كأعلى ارتفاع منذ سنوات طويلة بفترة قصيرة وبنفس الوقت نجد ان الذهب يواكب ارتفاعات النفط ولكن بوتيرة أقل إلا أنه كسب ما يقارب 40 بالمائة من ادنى نقطة وصل لها نهاية العام الماضي وبالمقابل فإن الدولار مستمر بالانزلاق خاسرا قرابة 12 بالمائة مقابل اغلب العملات الرئيسية واذا ما قمنا بربط مجريات هذه التحركات السعرية ونقارنها بالواقع الاقتصادي العالمي فإن الفرضية الأولى التي يجب ان نركز عليها المضاربة باسلوب وعاء القيمة الذي دأبت صناديق التحوط على اعتماده بشكل كبير منذ بداية الحديث عن الأزمة المالية العالمية بنهاية 2007م وما حدث من ارتفاع لسعر النفط مؤخرا دليل واضح على ذلك فاساسيات الاقتصاد العالمي لم تتبدل كثيرا حتى يقال ان الطلب على النفط عاد لسابق عهده من النمو الذي شهده خلال العقد الاول من ألفية هذا القرن والدليل ان منظمة اوبك لم تغير من حجم انتاجها باجتماعها الاخير قبل ايام لانها لا ترى أي تغير بالسوق يتناسب مع تحرك الأسعار الاخير وما زال عدم اليقين بمستقبل السوق النفطية قائما بل ان اوبك تسعى لتقليص المخزون العالمي المرتفع حتى تستطيع قراءة واقع احتياجات السوق على المدى المتوسط على الاقل وتحاول من جهة تصحيح الأسعار التي انخفضت بشدة إلى مستويات 35 دولارا قبل اشهر قليلة فمثل هذه التقلبات الحادة لا تخدم مصالح المنتجين من حيث قدرة تحديد الانتاج المطلوب وكذلك التوسع المستقبلي به عبر استثمارات تحتاج إلى مئات المليارات لتمكينه من مجاراة الطلب على المدى الطويل الذي لا يشك احد بارتفاعه اما الذهب فهو الملاذ الآمن بالاحداث السيئة اصبح ايضا مثار جدل لدى المستثمرين اذا ما حلق عاليا فهو لا يحمل أي عوائد سوى التحوط المؤقت ولا يميل احد من مدراء الاستثمار إلى رفع نسبة الاستثمار به إلى اكثر من 10 بالمائة مما يعني ان ما يحدث ليس سوى الانتقال بين هذا المثلث بحسب انخفاض القيمة بحيث تكون وعاء مضاربي يستفاد من انخفاضه مما يعني النمو السعري مدفوع بعوامل فنية بحتة إلى الآن مثلما حدث للدولار عندما تجاوز حاجز الدولارين لكل جنيه ومستوى 1.60 لكل يورو رأينا ارتداد سريع له اكسبه قرابة 40 بالمائة مما خسره واليوم نجد الاتجاه العكسي بين الدولار والذهب والنفط يعود مجددا لصالح الاخيرين فالعملة الامريكية بلا عائد فالفائدة تقبع قرب الصفر والطبع على اشده نظير الخطط الانفاقية الكبيرة التي قررتها الحكومة الامريكية لحل مشاكلها الاقتصادية المتعددة فافلاس الشركات طال اباطرة الصناعة لديهم كشركة جنرال موتورز لصناعة السيارات والنتائج تعني فقدان الاقتصاد الامريكي لقيم يعتبرها محددا لقوة عملته كونها مربوطة بحجم الاقتصاد الذي يعني تضاؤله هبوطا اكثر بقيمة الدولار وفي مثل هذه الحالة التي نعيشها فإن الآثار الضارة تتمثل علينا بارتفاع نسبة التضخم اذا ما استمر الدولار بالهبوط مجددا وبالتالي تصبح مسألة التحكم به يكتنفها بعض الصعوبات كما ستؤثر على الانفاق الحكومي مستقبلا كونها تعيدنا لمشاكل تقدير التكاليف المحتملة للمشاريع اما عودة أسعار النفط للارتفاع فبقدر مالها من ايجابيات على الدخل القومي فانها ايضا قد تضع الدول المنتجة بمأزق مسألة التسعير للنفط خلال اعداد الميزانيات من جهة وتربك خطط زيادة الانتاج بجانب آخر اما الذهب فمصيبته ستكون كبيرة على من سيستثمرونه بأسعار عالية لانه عند عودة الاقتصاد العالمي للنمو مجددا سيعود الذهب لواقعه القديم وبالتالي سيصعب رفع أسعاره مجددا لانه بلا عائد كالسندات والاسهم وحدث ذلك في بداية ثمانينيات القرن الماضي عندما وصل إلى 840 دولار للاونصة ثم هوى إلى مستويات دون 250 دولار أواخر القرن الماضي مكملا عقدين من السبات العميق والخوف من ان يعيد التاريخ نفسه بعد انحسار الأزمة ليواجه مستثمرو الذهب واقعا صعبا بالمستقبل البعيد.

ان مخاطر استحواذ المضاربة بوعاء القيمة على الدولار والنفط والذهب يقودنا إلى الخوف على مرتكزات الاستثمار مستقبلا لانها تفقد الاقتصاد الحقيقي مكامن قوته وتستنفذ طاقات مهمة تمد الدول بما يجعلها قادرة على النهوض باقتصادها دون استنزاف لمواردها باشكال عدة بسبب المضاربة كما ان ذلك له تداعياته على الاسواق المالية فالامتداد المضاربي بشكل واسع لها سيجعلها تنهار لأقل سبب وما تتخوف منه الدول الناشئة تحديدا لان ذلك يعني العودة للخلف سنوات طويلة وزيادة بمعدلات الفقر فهل تنجح الدول بانقاذ العالم اقتصاديا كما اقرت بقمة العشرين بلندن التصدي لمظاهر المضاربة خصوصا من صناديق التحوط التي تدير خمسة تريلونات دولار عبر 12 ألف صندوق تقف خلفها مؤسسات مالية جبارة في كل يوم تغير توقعاتها الاقتصادية وفق اهوائها لتعويض خسائرها فهل نستطيع ان نبعد الاقتصاد عن التموضع بوعاء تحركه غرائز الطمع خصوصا ان اسواقنا مستهدفة من قبل تلك الصناديق التي تسعى للاستحواذ على ثروات العالم ومص دماء الشعوب.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد