Al Jazirah NewsPaper Friday  05/06/2009 G Issue 13399
الجمعة 12 جمادىالآخرة 1430   العدد  13399
أهل الأهواء لن ينتهوا عند كلمة سواء
فهد بن سليمان التويجري *

 

في وقتنا هذا اختلطت الأوراق، وكثرت الهتافات، وتنوعت النداءات، وتعددت الشعارات، وأصبح كل حزب بما لديهم فرحين، حتى وقعت العامة في الحيرة والتردد، بل وقليل من الخاصة، فأكثرهم يسمع كل ناعق، ويجلس إلى كل متكلم، ويأخذ بكل فتوى، وينظم لأي جماعة، طالباً للحق أو مستمتعاً بالحديث، أو محباً للاطلاع والفضول، حتى اختلط الحق بالباطل، والحابل بالنابل، وتفرق الناس طرائق قدداً، فأصبح من عباد الله مؤمن وكافر، مصدق ومكذب، صالح وطالح، وشقي أو سعيد. فظهر منا من يتبع المتشابه، ويعرض عن المحكم من الكتاب، يأخذ الضعيف ويترك الصحيح من السنة، وظهر من سب أسلافنا ومدح أشرارنا، يظهر السيئ من تاريخنا، ويبطن الحسن منه. ومنا من جعل الإيمان في القلب دون العمل، أو كفر الناس بمجرد الزلل. ومنا من يرى الركون إلى الذين ظلموا عزة وشرفاً، حتى دعانا أن نضع أيدينا في أيدي من عبدوا العباد، وسبوا صحابة أفضل العباد أو إلى الاجتماع مع أهل الأهواء والظلمات، أولئك الذين يتمسحون بأعتاب الأولياء، وأن بهم ومعهم توحيداً للصف واجتماعاً للأمة زعم.

بل ومنا من ذهب إليهم، وجلس معهم وإليهم، ولم ينكر منكراً، أو استدرك زللاً، حتى التبس الحق بالباطل لدى عامة الناس.

أو جوز الحرام، تيسيراً للأمة، أو تحبيباً في الدين، أو أن يكثر محبوه، وهم لن يغنوا عنه شيئاً.

فنادى هنا وهناك جمعاً للأصوات أو خوفاً منها، في أقوال شرقت وغربت، وصلاح القصد وحده لا يشفع، ما لم يكن معه دليل، ومن ترك الدليل ضل السبيل. إن هذا الخلط الواضح والصريح، له أضراره الوخيمة عاجلاً أو آجلاً، شئنا أم أبينا. لماذا يحاول بعض المنظرين أو الكتاب أن يأخذوا بالأمة إلى حيث انتهى القوم؟ لماذا يريد البعض أن يمزج الظن باليقين، ويجمع أهل الأهواء والنفاق والكفر والتكفير تحت سقف واحد، مع أهل الهدى والرشاد.

إن أهل الأهواء أياً كانوا يسعون إلى محاكاة الغرب أو الشرق محبة أو إعجاباً، إن من أحب النهوض بالأمة يجب أن يتميز عن أولئك وأمثالهم حتى يصفو الجو من الكدر، ويظهر الطريق للسالكين ويتميز الخبيث من الطيب، ويكون الخبيث بعضه على بعض وليس الطيب منه شيء. (مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ...) (179) سورة آل عمران.

يقولون لا تفرقوا بين بني البشر، إذاً فالأنبياء - عليهم السلام- فرقوا بين بني البشر، فرقوا الصف، لأنهم جعلوا الناس فريقين مؤمن وكافر، كذا قال المشركون فرق جماعتنا... إلخ.

إن منابذة أهل الانحلال ومقاطعتهم وهجرهم، وعدم الجلوس معهم وإليهم، طريقة عقلاء البشر ومنهم الأنبياء والمصلحون: (فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ ) (58) سورة الأنفال.

وهناك إمام الحنفاء وقائد الموحدين يقول (..وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ...) (48) مريم.

وكانت النتيجة حميدة: (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيّاً) (49) مريم. وكانت العاقبة له.

وهذا موسى يقول: (فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ) (21) الشعراء.

وهذا رسول رب العالمين وأصدق الدعاة المخلصين خرج من مكة وحيداً فريداً شريداً طريداً حزيناً فقيراً مغلوباً، ثم أقام دولة الإسلام والمسلمين في طيبة الطيبة، ثم رجع إلى مكة غنياً قوياً ظاهراً قاهراً.

وأصحاب الكهف الفتية المؤمنة: (وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا) (16) الكهف.

وتأمل قوله تعالى: (...ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقاً) وكانت العاقبة لهم.

إن الدعوة الإسلامية اليوم في أشد ما تكون حاجة إلى التميز والظهور والوضوح حتى يشتد عودها ويظهر أمرها، ويكثر أنصارها، وأهل الأهواء لن ينتهوا إلى نقطة وسط، أو كلمة سواء، أو مصلحة راجحة، أو وطنية صادقة، حتى وإن زعموا، بل يريدون أن يضعفوا أمرنا بحجة مواكبة العصر، ومسايرة الركب كذا زعموا.

(وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) (9) القلم.

وحتى لو كان في اعتزالهم ترك بعض مصالحنا، فلا لوم علينا، فهذا إبراهيم الصادق في دعوته قال: (وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي) (26) العنكبوت. وكانت العاقبة له (وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ) (71) الأنبياء.

إذا فاعتزلوا الباطل وأهله أياً كانوا، وحيث كانوا، ومع من كانوا.

* المجمعة



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد