Al Jazirah NewsPaper Thursday  04/06/2009 G Issue 13398
الخميس 11 جمادىالآخرة 1430   العدد  13398
هذرلوجيا
انتحار الذئب الحجري
سليمان الفليح

 

ثمة ذئب معلق على الجدار يقبع أمامي منذ عشرين عاماً وكلما بدلت بيتاً وجدته أمامي في ذات الجدار.

إنه ذئب حقيقي كان له عواؤه الخاص وشراسته النبيلة وخبيبه المتناسق فوق الجبال، وكانت له أذنان كحربتين وأنف شامخ وأنياب لامعة بيضاء ومخالب حديدية أيضاً، ولكنه وقع في حبائل المدن ودُجن بشكل مريع حتى تحجر وأصبح تمثالاً من الصخر الصلد، ولكن عينيه المتقدتين كجمرتين مازالتا تدوران في إهاب المكان وترمقانني كأنني السبب الوحيد لتحجر الذئاب في المدائن الصماء، هو يعرف أو لربما لا يعرف أنني كنت هو أو كان هو أنا فأصبحنا كائنين متحدين أحدنا من حجر وآخر من بشر، وحينما طال به المكوث كمخلوق حجري كتم غيظه طويلاً وعميقاً في الذات إلى أن تفجر من كثرة الاحتباس وتطايرت أشلاؤه في الأنحاء وأطلق العواء ملء الكون حتى سال الدم من شدقيه، بعد ذلك خمد كبركان قديم واتخذ شكلاً حجرياً كما تتخذ الجبال البركانية أشكالها الأزلية بعد الخمود وتأخذ هيئة البركان الميت والجبل الحي الذي قد يكسوه العشب وتزخرفه النواوير وتتقافز على صخوره الأيائل والوحوش وتتخذ الجوارح وكناتها في شعفاته الشاهقة هكذا إذن هو الذئب الذي يرمقني منذ عشرين عاما من خلال الجدار.

ولكن بالأمس الأول حدق بي طويلاً حتى تطاير الشر والشرر من عينيه ثم عوى بأقصى الأضلاع- وقال لي جملة واحدة: (لماذا جعلت مني ذئباً من حجر، بل وصورة شاحبة فوق الجدار، أنا لست رهيناً لسجنك الطويل)، ثم قفز قفزة هائلة من الجدار باتجاه وجهي ولكنني أشحت عنه وأنا أسمع قرقعات حطامه فوق الجدار الذي خلفي وبذا كانت نهاية آخر الذئاب.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد