Al Jazirah NewsPaper Wednesday  03/06/2009 G Issue 13397
الاربعاء 10 جمادىالآخرة 1430   العدد  13397

دفق قلم
صَهْوة الأمل
عبد الرحمن بن صالح العشماوي

 

للأمل المشرق في الحياة صَهْوَةٌ مروَّضةٌ جاهزةٌ لامتطاء المتفائلين، فالأمل حصان مبارك دائم الانطلاق، لا يتعب ولا يكلُّ، ولا يعجز - بإذن الله- عن اقتحام الحواجز وتجاوزها، ولا يتوقف خوفاً أو مللاً أو نكوصاً وانهزاما، وصهوته المبارك أجمل صهوةٍ، وأمتعها ركوباً، وأثبتُها وأقواها، وأقدرها على استقبال كل متمرّسٍ في امتطاء صهوة الأمل في ميادين الحياة.

وهي مع سهولتها، وقُربها، صعبةٌ بعيدة المنال عن كلّ مستسلمٍ لليأس، منهزم القلب والنفس أمام صعوبات الحياة، وهكذا تكون الأشياء الجميلة بعيدة جداً عن الذين لا يرون إلا القبيح، مع أنها قريبة جداً ممن يرونها ويتذوقون جمالها.

قالت لي: كيف أستطيع أن أواجه صعوبات الحياة المعقّدة؟ وكيف يمكن أن أخرج من نفق الألم المظلم المخيف؟

قلت لها: هذه صهوة الأمل المروّضة تنتظر منك امتطاءها لتنطلقي في ميادين السعادة والصفاء، ولتخرج من نفق الألم والشقاء.

قالت: سامحك الله، إن صهوات الخيول ليست لربّات الحجال، وإنمّا هي للفرسان من الرجال.

قلت: أمّا صهوة الأمل فهي مروّضة للناس جميعاً يمكن أن يمتطيها الرجال والنساء، والأقوياء والضعفاء والأغنياء والفقراء والمرضى والأصحاء، والمسجونون والطلقاء، إنّها الصهوة المباركة التي هيّأها الله لمن يستحقها من خلقه المؤمنين به، الواثقين بعونه وتأييده، ورحمته ومغفرته، المتعلّقين به في السرّاء والضرّاء، وفي المنشط والمكره، وفي الشدّة والرخاء.

قالت: أنت تتحدّث عن شيء خيالي لا مكان له في واقع الحياة، فأين هي صهوة هذا الأمل التي تتحدّث عنها، دلّني عليها، أرشدني إلى مكانها، وما أظنك تستطيع ذلك لأنها شيء متخيّل غير موجود.

قلت: وأنا أقول: سامحكِ الله على هذا الجزم بنفي وجودها مع أنها موجودة الآن بين يديك، وطوعُ بنانك، ولكنك لا ترينها لأنك في حالة من اليأس تغمض عين بصيرتك عن صهوة الأمل وإشراق غرّته فما ترين إلا أشباح اليأس والقلق تتراقص أمام عينيك.

صهوة الأمل أيتها الأخت الكريمة لا تراها إلى عيون المؤمنين بالله، المتعلقين به دون سواه، الرّاجعين إليه رجوع الإيمان والإخبات والتذلّل والخضوع.

إن صهوة الأمل هي أوضح ما يمكن تراه العين في واقع الحياة، وهي أسهل وأيسرُ ما يمكن أن يمتطيه الإنسان منطلقاً به في ميادين السعادة والصفاء ولكنّ العين المغمضة على التوجّع اليائس، والأنين القانط، لا يمكن أن تراها، أو أن تشعر بوجودها، أنصحك الآن بأن ترفعي يديك إلى السماء في لحظة توجُّه حقيقي لا تشوبه شائبة إلى الله الحي القيوم الذي يعلم السرّ وأخفى، وعندها سترين صهوة الأمل أمام عينيك جاهزةً للانطلاق بك إلى عوالم السعادة والهدوء واليقين.

إشارة:

منْ رقى نحو العُلا نظرتَه

جعل العَزْمَ إليها سببا


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد