Al Jazirah NewsPaper Wednesday  03/06/2009 G Issue 13397
الاربعاء 10 جمادىالآخرة 1430   العدد  13397
لما هو آت
ذاتك المسؤولة عنك..!
د. خيرية إبراهيم السقاف

 

جاءتني تولول حسرة السنوات، وعبء العمر، لسان حالها في شبه جنون كأنه يقول: ويحي، كيف ينسل من بين يدي طينيّا تعفرَ لسانه، وتلطخ جانباه، وكفه شظايا زجاج كلما مدها ليصافح شجت الممتدة لها، ويحي, وقد عكفت الليالي على لقمته، ونذرت ماء عيني لرعايته، وأطعمته حلالا، وأسقيته زلالا, وكنت كلما تحرك وآب غسلته بيقين (حبالُه ممتدة للسماء، ووثقته بشجرة الصفاء, حتى كبر مرق من بين يدي، نهل من ضامر مستنقع، وجلس إلى بائع كير، وخالط موبوء صدر، حملَتْه ريحٌ ترابية لقصيٍّ عن دربه، وزجته في ثقوب مظلمة تتصارع فيها النفوس، تتبارى على نجيع الظلمة، تلتهم الطميَ, وتتمرغ في خليطه.., ؟ ويحي, وقد جدَّ ليله في الفراغ، وبسط نهاره في الضياع، فأين تعهُّدي ورعايتي، وكيف تم فشلي وأعلن هزيمتي؟..

محضنها مدرسة، وعينها درب، وخفقها بوصلة، وعرقها رافد، هي هذه الأم، تحدب على صغيرها فإذا ما كبر ترك لنفسه العنان، وفرَّغ ما بذرته في الجنان، ليس كل الأبناء لكنه واحد في الأنماط، وفريد في الصفات، من ربُّه هواه، وذاته مبتغاه، أحلامه عريضة تلتهم ما في أفواه الناس، وعينه كليلة تقف عند حدودها قدماه، وخياله مشتق من أحلام لا مساحة فيها لغيره ولا يشعر بسواه، إن أُعطي غدر، وإن مُنع هدر, تسأل في رهق: كيف تبخر ماء عيني بين عينيه؟ وكيف تبدد جهد تربيتي على يديه؟ لمَ لمْ يحفظ الأمانة،ويبارك في استقامته عطائي فيه ؟ هل كنتُ على خطأ أم في حلم جميل أيقظني منه، وهو يشب عن الأرض ؟ ويتولى أمر نفسه ؟..

ما الذي بدل رحيق الكلم الطيب في لسانه، إلى مذاق العلقم في مرارته ؟ ورسم النار في مسحة جبهته، مكان الرحمة التي سكبتها عليه من رأسه حتى إخمص قدميه..؟..

** ما تفعل الأمهات بخيباتهن بعد أن يشب أبناؤهن وتتبخر آمالهن في نماذج القساة، البذيئي الألسنة، المظلمي النفوس ؟ المقصرين في البر، القصيين عن الخير..؟

** قلت لها: حسبك ما قدَّمتِ.., تلك بضاعتكِ..

وحسبه ما يفعل فهذه أعباؤه..

** التنشئة مضمارٌ, إما أن يوصل لنعيمٍ مبترِد.. أو لشقاءٍ متقِد..

فكلما أدرك المرء مسؤليته تجاه من ربياه صغيرا, يدرك مسؤوليته تجاه نفسه, ومن ثم مآله في الأولى والآخرة، وكلما تغافل هلك فيهما.

*** هذا محك العقل، السائل والمسؤول في الإنسان، ومناط الأمانة فيه، بعد أن يخرج عن مظلة والديه لمضمار الحياة.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد