Al Jazirah NewsPaper Sunday  31/05/2009 G Issue 13394
الأحد 07 جمادىالآخرة 1430   العدد  13394
نوافذ
أمنا العنيدة
أميمة الخميس

 

صادفت قبل فترة خارج المملكة جراحاً بريطانياً شهيراً، سألني بأسلوب الجنتلمان الإنجليزي المهذب (ولكنني لم أخطئ نبرة السخرية في قاع صوته): هل تقودين السيارة في وطنك؟ فأجبت: على كل حالٍ أصل المكان الذي أذهب إليه في الوقت المحدد، وهذا الموضوع قد لاكه الإعلام العالمي حد الملل.

فاسترسل قائلاً: ليست هذه القضية لكن قد عرض عليّ العمل في وطنك، لكنني متردد، فزوجتي ترفض أن تكون في مدينة لا تستطيع فيها قيادة السيارة، أو التمتع ببعض الأنشطة الثقافية أو الترفيهية الاجتماعية التي اعتادت ارتيادها، لذا لربما سأفضل القبول بعرض إمارة العين الإماراتية!

قلت له: لم تعد بحاجة إلى العناء والذهاب لمواطن الترفيه، فنحن نعيش عصر الواقع الافتراضي، والمسرح ومن يقف على منصته والمفكرون والشعراء والراقصون والمهرجون جميعهم ستجدهم كل ليلة في غرفة المعيشة، عبر مئات من النوافذ والشاشات الفضية حولك نحن في عصر ينفتح فيه فوق رؤوسنا مسرح مهول ويبقى مأزقنا ماذا نختار؟ ثم استطردت: على كل حالٍ المجمعات السكنية الفخمة التي ستوفر لك مع الرواتب الدسمة ستنسيك هذه المتطلبات التي تبدو ثانوية.

المفارقة هنا ليس بموقف الطبيب أو سواه ممن نصادفهم في الخارج، من المكان لكن طبيعة الأسئلة الاستفزازية التي تختزنها آراؤهم تحملنا قسراً على تبني مواقف دفاعية عن أوضاع قد لا تعكس قناعاتنا الخاصة، بل على النقيض لطالما طالبنا بزحزحتها وتغييرها. فهل الشعب السعودي يمتلك طرحاً مزدوجاً.... داخلياً وخارجياً؟ وهو ما اسمته وزيرة الخارجية الأمريكية السالفة التي كسرنا خلف ذهابها جرة (كوندليزا رايس)......السعودية والكلام المزدوج (Double talk).

من الصعب أن نصمت سلباً عند المواجهة، فالوطن جزءٌ من الأنا والهوية، على الرغم من علمنا في قاع قلوبنا أن أمنا العنيدة تلوذ أحياناً بغرفتها وترفض مغادرتها، ونعي بأنها ترفض أن نفتح الأبواب والنوافذ لتنظيف بعض الخزانات والأدراج في غرفتها، التي باتت تحتشد بالغبار مع كم كبير من أدواتها القديمة التي تحتاج إلى إعادة تنظيم، وهذا بالفعل الأمر الذي يورطنا بتبني مواقف قد لا تمثلنا.

ذكرني هذا الموقف بموقف سابق مررت به، عندما حاصرتني مجموعة من عتاولة النسويات Feminists بأسئلة متعلقة بأوضاع المرأة في السعودية أثناء تمثيلي للمملكة في أحد الأنشطة الثقافية في تونس.

النبرة الهجومية التي تحملها الأسئلة تدفع إلى تبني المناورة والمخاتلة، وسنبادر إلى الاستنجاد بأجوبة تبريرية من نوع الواقع الاجتماعي والممانعة الشعبية والتغيير التدريجي، ونضيف أنه قرار سينضجه المجتمع رويداً رويداً، وما هنالك من التبريرات التي نسمعها في الإعلام الرسمي.

بعد انتهاء المواجهات سنتورط بكمٍ وافر من الأقنعة التي نتداولها في المواجهات الخارجية، والازدواجية التي لابد أن نتبناها، أمام بوابة أمنا العنيدة، مواقف تبريرية لأوضاع تسوؤنا ونعانيها لكنها أمنا التي لانود أن تخدش، على الرغم من كونها لا تعطي أذناً صاغية لثرثرة أبنائها وترفض أن يسهم بعض أولادها في تغيير تفاصيل الديكور الأثري لغرفتها وفتح النوافذ الشرقية للشمس، والغربية للهواء.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد