حين كانت موارد الماء متجهاً للقوافل، وعلة للرحيل، فلأن لا حياة بلا ماء.. فالعطش إيذاناً للموت، وحين أصبحت المعارف أنهارا، والوافدين طلابا، شُحذت القوادم اتجاها، ومهرت الخطوات إليها خبرات، وكلما اتسعت عيون المعارف، تدفقت أنهارها، وكثر طلابها، وأحصيت عدّا تراكمياً منسوبات خبراتهم..
وكما يقاس النهر بعمقه، تقاس السقيا بارتواء الوافدين الناهلين..، وتقاس معارفهم بحجم ما انتهلوا وشربوا..
كان الأقدمون يقيمون ظهور مطيهم، يجوبون البقاع والأصقاع ليتعلموا ويتعرفوا ويقفوا الآثار ويحصدوا المعارف والعلوم ويدلقوا من دلاء أنهارهم كما يغرفوا من أنهار غيرهم، فصنعوا مجد المعارف، لكن الأنهار اتسعت وتاخمت البحور فغدت في المعارف والتجارب والعلوم والأفكار والتجارب والإنتاج باتساع الموارد في سعة المعمورة.. وبقي الإنسان مدارها الساقي والمرتشف، المعطي والآخذ، الراحل والمقيم، اللاهث والمطمئن.. وكل يوم تتسع موارد التجارب وتتراكم الخبرات وترتفع مناسيب الخبرات وتتراكم تدفقات الأمواج..
وصلت عيون النهر وموارد الإرواء للمدارس، والمعاهد والكليات والجامعات.. وتفنن الساقون في أساليب ضخهم للعطاشى.. ليرتوا، وأقبل الصغار للإرتواء بأساليب ومقدرات ومهارات ما كانت متاحة لمن سبق..
لذا سيتسع البحر، وسيكون الجيل القادم أكثر خبرات وأروى دلاء وأعمق بحرا..
***
كلما أطلعتني زميلة أو صديقة أو قارئة على أساليب التعليم الحديث في المدارس وتقديم الخبرات لناشئة القوم بأساليب تعليمية مبتكرة تنمي مهاراتهم وتمكن مداركهم وهي تستحث نهم الرواء في بؤر العطش لديهم.. تنفرج لي تلك الصورة..
أسمع حداء القوافل وتلمظ العطاشى وتنهيدات المرتوين بعد بلوغهم موارد الماء..
وأعقد مقارنة بينهم وبين هؤلاء.. المحاطين بمرافئ البحور..