لم أكن أعلم أن لقائي به قبل أشهر في الطائرة المتجهة من الرياض إلى جازان هو اللقاء الأخير الذي سأراه فيه حياً ناطقاً مبتسماً مشرق الوجه بنور المودة والسماحة والإخاء، كان متجهاً إلى جزيرة فرسان لإلقاء محاضرة هناك، وكنت متجهاً إلى مهرجان دعوي لإلقاء أمسية شعرية بعد صلاة العشاء، سبقتها محاضرة للأخ الفاضل الشيخ سعيد بن غليفص القحطاني.
ودعت الأخ الحبيب الداعية الشيخ عبدالعزيز بن محمد الوهيبي بعد نزولنا من الطائرة حيث توجه كل منا إلى بغيته.
ومرت الأيام بعد ذلك مشحونة بأعمالنا ومشاغلنا وأسفارنا ومناسباتنا فترة زمنية لم نتمكن فيها من اللقاء وجهاً لوجه، إلا ما كان من رؤيتنا لبعضنا في ندوة ثقافية عن بعد تبادلنا فيها الإشارة باليد والابتسامة، ولم نلتق فيها لقاء مباشراً.
وفي مساء يوم الثلاثاء 2-6-1430هـ وأنا أستعرض بعض الرسائل الجوالية التي اصطفت على قائمة الانتظار لعدم تمكني من تصفحها ذلك اليوم، فاجأتني رسالة تحمل خبراً مؤلماً يقول: رحم الله أسد الحِسبة، الداعية الشيخ عبدالعزيز بن محمد الوهيبي؛ فقد لقي ربه ومعه زوجته وثلاث من بناته في حادث سيارة في طريق الرياض - الدمام، ونقلت بناته الخمس إلى المستشفى.
شريط من الذكريات مر أمامي برزت من خلاله صورة وجهه الكريم وهو يعبر بملامح المودة والإخاء عن فرحة اللقاء في تلك الطائرة التي كانت مسافرة بنا من الرياض إلى جازان.
سبحان الحي الذي لا يموت، ما أقصر رحلة الإنسان في هذه الدنيا، وما أسرع ما يفارقها أهلها، هكذا يكون الموت هو الحقيقة الكبرى التي لا يستطيع أحد أن يتجاهلها، وهو الموعظة الكبرى التي لا يجوز لعاقل أن يتجاهلها. مات أبو محمد عبدالعزيز الوهيبي، قلتها معبراً عن حالة شعورية لا أستطيع وصفها، وأخذت، وما زلت، أدعو له ولمن مات معه من أهله بالرحمة والغفران، ولبناته المصابات بالشفاء والعافية والأجر والصبر والسلوان، ولأهله جميعاً بعظيم الأجر على المصاب الجليل، وعظيم الصبر والاحتساب.
نعم، مات عبدالعزيز فلم يعد لرقم جواله دورٌ في التواصل معه، لقد انقطعت صلتنا المباشرة، وعلاقتنا الدنيوية، ولم يبق إلا صلة الإحساس بقيمة ما ترك من ذكر حسن، وصلة الدعاء الذي يظل جسراً لا ينقطع.
وحينما علمت أن أبا محمد قد أنهى دروسه لتلاميذه في باب (صفة نعيم الجنة) في صحيح البخاري قبل سفره بساعات، تفاءلت واستبشرت، بل وفرحت بدلالات هذه الخاتمة الطيبة المباركة، وحينما أخبرني الأستاذ (خالد الصيرفي) بإشارة التشهد التي كانت عليها يده اليمنى، وبوجود (سواكه ومصحفه) معه في سيارته أثناء الحادث، زدت تفاؤلاً واستبشاراً، فإن هذه الصور المبهجة التي تدل - بإذن الله - على حسن الختام تسر قلوب محبي فقيدنا العزيز.
اللهم تغمده ومن معه من أهله برحمتك، وأحسن عزاء والديه ومن بقي من أولاده وأهله، وأحسن عزاءنا جميعاً فيه يا رب العالمين.
إشارة:
لم يمت من خلّف بعده ذكراً حسناً.