لفت انتباهي وبصورة سعيدة مبهجة: مقالَيْ الكاتب الشاب الأستاذ محمود عبدالغني صباغ.. اللذين نشرهما على التوالي في الرابع والثامن عشر من الشهر الماضي ب(صحيفة الوطن)، وتحدث في أولهما عن: (الإساءة ل(العواد) بأثر رجعي!).. وتحدث في ثانيهما عن: (إيش لك وإيش ل(العواد وشحاتة)..؟).. آخذاً عنوانه - رغم...
...عاميته المرهقة لغير أبناء المنطقة الغربية - من تلك (النصيحة) التي تلقاها الناقد والأديب الدكتور عبدالله الغذامي.. من الشيخين (الزيدان والعارف).. باعتبار أن البحث الموضوعي الشامل والدقيق في أمر أحدهما أو كليهما مجلبة للمتاعب.. بعد أن علما بأنه أخذ في البحث والتقصي عن حياة ونتاج الشاعر العملاق والأديب الفيلسوف: حمزة شحاتة.. تمهيداً لإعداد دراسة أكاديمية متعمقة عنه خلال سنة التفرغ التي حصل عليها في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي التي ظهرت فيما بعد (عام 1402هـ - 1985م) بعنوان (الخطيئة والتكفير)..
لقد كان سر بهجتي الأول.. هو هذا التواصل الحميم والجميل بين الأجيال: من (العواد والشحاتة).. إلى (الضياء والزيدان والجاسر والعارف).. إلى الغذامي.. إلى جيل الكاتب نفسه - الأكثر شباباً - الذي عبر عنهما مقالاه أصدق وأدق تعبير، حتى بدا لي وكأنه المعني وحده بذلك (الإهداء) الذي قدم به (العواد) للطبعة الثانية من ديوانه أو قصيدته المثيرة للجدل: (الساحر العظيم) أو (يد الفن تحطم الأصنام).. عندما سطر إهداءه قائلاً: (إلى شباب الجيل الحديث الذي يحاول التجديد، ويمارس الحرية، ويترفع عن سفاسف الأخلاق.. ويرفع سمعة الأدب والفن والفكر.. عما يمسها من هلفتة الذين يتاجرون بالأدب والعقل والضمير)..!!
أما سبب بهجتي الثاني.. فقد كان لهذا السرد الوافي - رغم محدودية المساحة - الذي قدمه الكاتب الشاب.. ل(حياة) وأعمال وكفاح الأستاذ العواد الأدبي من أجل نهضة أدبية حقيقية منذ أن نشر أوائل قصائده وأول وأهم كتبه (خواطر مصرحة)، وعانى فيهما ما عانى.. إلى أن تقدم - بعد قرابة خمسة عقود من الزمن - هو ورفيقه وصنوه أدباً وإنتاجاً وحضوراً باهراً: الأستاذ عزيز ضياء إلى الأمير فيصل بن فهد، في أوائل عام 1395ه.. بطلب السماح لهما بإنشاء أول ناد أدبي في المملكة، فكانت استجابته التقديرية لهما ولمكانتهما ودورهما إيذاناً بانطلاق (فكرة) الأندية الأدبية إلى ربوع الوطن كله.. ليصبح (العواد) رئيساً له و(الضياء) سكرتيراً للنادي، فالأستاذ عزيز.. وهو (الفنان) بين مجايليه - بتعريف القائلين من الأقدمين (بأن الأديب.. هو طه حسين، والفنان.. هو توفيق الحكيم، والباحث المفكر هو عباس محمود العقاد) - كان يردد على مسامعي وكلما أثرت أمامه الحديث عن (مكانة) العواد في الأدب، وبين الأدباء في المملكة.. من رعيله: (العواد.. كان أول من قال شعراً، يقرأه ويحفظه الناس)..!!
ولم يكن السرد الذي قدمه الكاتب الشاب.. عن (الشحاتة) بأقل من ذلك الذي رصده عن (العواد).. وهو يسترجع مغامرة الدكتور الغذامي، في بحثه عن نموذج إنساني معاصر لدراسته النقدية الرائعة (من البنيوية إلى التشريحية).. إلى أن عثر عليه في شاعرية وشعر وأدب وفكر (حمزة شحاتة)، الذي لم يكن لشعره أو كتبه أي وجود في مكتبات جدة أو غيرها من مدن المملكة.. إذ لم يبدأ فتح (الكوابر) أو الصناديق التي كانت بها ذخائر ما كتبه الرواد إلا مع إصدار سلسلة الكتاب العربي السعودي الذي تولته (تهامة) في رئاسة الأستاذ محمد سعيد طيب لها في مطالع الثمانينات الميلادية - من القرن الماضي -، كما أن (ديوان حمزة شحاتة).. أو ما أمكن العثور عليه، وجمعه من قصائده المتناثر معظمها لدى أصدقائه.. لم يُطبع إلا بعد نشر كتاب الغذامي بثلاث سنوات..
على أن أهم ما في هذين السردين الجميلين عن (العواد) و(الشحاتة) - وقد أطلت الحديث فيهما تعبيراً عن سعادتي في أن يأتي ذلك من كاتب شاب في عمر الأستاذ محمود - إنما يتمثل في (غيرته) المحمودة على أن لا يكون أدب هذين الأديبين.. متاحاً لطلابه من ناشئة الأدب والشعر بين الأجيال الجديدة القادمة.. بإعادة طباعته وتوفيره في المكتبات، وفي (تنديده) واستنكاره ل(موقف) نادي جدة الأدبي الثقافي.. من (جائزة العواد للإبداع) التي اقترح إنشاءها وتمويلها سنوياً (رجل الأعمال) من جانب، والأديب من جانب آخر الذي فاجأ الوسط الصحفي بسلسلة مقالاته التذكرية الجميلة (جدة.. حقاً إنها عائلة محترمة).. وأعني به الشيخ أو الأستاذ أحمد محمد باديب.. لقد كان موقف (النادي) أو رئاسته منها.. مفاجأة مذهلة لي، باعتبار أن (تابو) عدم الاحتفاء بالرواد من الأدباء لأي سبب من الأسباب التي كانت.. قد انتهى وولى زمنه في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز.. منذ أن احتفلت الجنادرية برعايته ب(الجاسر)، و(الجهيمان).. ف(عبدالله عبدالجبار) ليكونوا شخصيات الأعوام 1415 و1420، 1426ه على التوالي، لكنني لم أدع نفسي للمفاجأة وتداعياتها المذهلة.. بل أخذت الطريق من أوله كما يقولون.. وذلك بالعودة إلى صاحب الاقتراح.. صاحب فكرة (الجائزة) واسمها وتمويلها الأستاذ (باديب) نفسه..؟
***
على الهاتف العادي.. كنت أتحدث إلى الأستاذ أحمد مستفسراً عن (الجائزة) وقصتها..؟ ومتى.. وكيف بدأت..؟
فقال.. لي - بما نصه.. تقريباً -: (إنه عندما دعيت للمشاركة بالحديث عن (العواد).. في احتفالية قراءة النص التي يقيمها النادي في كل عام بأحد فنادق جدة.. عن أعمال ونصوص أديب من الأدباء، حيث تُقدم فيها أوراق بحثية تغطي جوانب إبداعات ذلك الأديب.. عدتُ إلى مكتبتي وما استعرته من كتب ودواوين (العواد)، وهي الأكثر.. باعتباري عاشق ل (الشحاتة).. يحتفظ في مكتبته بكل أو معظم ما كتبه (الشحاتة) أو ما كتب عنه، ففوجئت (والكلام.. للأستاذ الباديب) بأنني أمام بحر ذاخر من الأدب والشعر والمواقف الأدبية الرائدة.. لألمس عن كثب عظمة الأستاذ العواد في أدبه ودعوته واستنارته وتقدمه على كثيرين ممن جايلوه، فرأيت أن أقترح هذه الجائزة وباسمه، إحياءً ل(ذكرى) أول أدباء مدينتي (جدة)، ومع ختام ورقتي.. أفصحت عن رغبتي في إنشاء الجائزة وعن تمويلي لها بمائتي ألف ريال سنوياً، فكان أن قوبل الاقتراح باستحسان الحاضرين جميعاً، ولكن (النادي) أخبرني بعد ذلك بضرورة الحصول على (موافقة) وزارة الثقافة والإعلام على اسمها، فقلت: لا بأس.. ثم تقدمت للوزارة.. التي لم تعارض.. بل رحبت، لأقوم بزيارة النادي.. لإخبار ر ئيسه بموافقة الوزارة وبرفع قيمة الجائزة إلى (أربعمائة ألف ريال)، فعرض عليَّ رئيس النادي.. أن تكون هناك جائزتان.. واحدة باسم (العواد للإبداع)، وأخرى باسم النادي.. دعماً ل(نادي جدة الأدبي الثقافي)؟ فوافقت).
ورغم اعتراضي الشخصي على موافقته على هذه (التقسيمة) غير البريئة.. إلا أنني أكبرت فيه روح مبادرته.. وحماسه ل(جدة) وأدبائها، لأودعه.. ساعياً لفرصة تجمعني بالصديق الدكتور عبدالمحسن القحطاني.. رئيس نادي جدة الأدبي الثقافي.. حتى أستكمل معه الجزء الباقي من (الصورة)، أو من أزمة (جائزة العواد للإبداع).. مع (ناديه) الذي أسسه مع رفيقه وصديقه الضياء - المشغول آنذاك صحفياً وإعلامياً ل(شوشة راسه) -كما يقولون- حيث بذل (العواد) -رغم سنه المتقدمة آنذاك- الكثير من الجهد، وتحمل الكثير من العناء في سبيل وجود (النادي) على أرض الواقع، واستقطابه للأدباء والمثقفين.. وسط حمى (طفرة السبعينات) التي أعقبت الحرب، فكان أن جمعتني به مصادفات الاثنينية سريعاً.. لأسأله عن (الجائزة) بعد مقال الأستاذ محمود صباغ المدوي الذي نسب إليه اعتراضه على اسمها بأنها (دعوى ضيقة)، فلم أجد لديه - وبكل أمانة - ما يقنعني.. غير اقتراح مهذب بلقاء يجمعنا منفردين لإيضاح حقيقة الأمر وجلائه، وهو ما يحملني - بحدسي - على القول.. بأن الأمر ربما احتاج إلى العودة ثانية لوزارة الثقافة لتصدر فتواها في أحقية (نادي جدة الأدبي الثقافي) في إطلاق اسم (العواد) رائد رواد الأدب في المملكة على جائزته الإبداعية.. من عدمه..؟ وهو ما سيسري بطبيعة الحال.. على بقية الأندية.
***
على أنني أعترف بعد هذا.. ربما بجهلي، ويقيناً.. بحيرتي بين الشك واليقين.. فيما ذكره الأستاذ محمود عبدالغني صباغ في ختام مقاله الثاني من أن الدكتور عبدالمحسن القحطاني أطلق خلال زيارته لمصر لحضور معرض القاهرة الدولي للكتاب جائزة أدبية ب(اسمه)..!! وهي (جائزة عبدالمحسن القحطاني للنقد الأدبي)..!! وهو يطالبه بتفسير لهذا (التناقض) بين تحفظه على جائزة للإبداع باسم (العواد).. واعتماده جائزة باسمه ل(النقد الأدبي)؟..؟!
وأحسب أنه، ليس الأستاذ محمود الصباغ.. وحده، هو الذي يريد أن يعرف (الحقيقة).. ولكن كل من قرأ مقاله واعترته (دهشة) كتلك التي اعترتني.