Al Jazirah NewsPaper Sunday  31/05/2009 G Issue 13394
الأحد 07 جمادىالآخرة 1430   العدد  13394
أما بعد
واحد أغلى من مئة
عبد الله بن عبد العزيز المعيلي

 

السعودة شعار رفع بقصد توطين العامل السعودي في الوظائف المشغولة بغير السعودي في القطاع الخاص، شعار صبغ بعاطفة جياشة، ورفع بحماسة شديدة، وفرض بسلطة واستعجال دون إدراك لطبيعة الواقع الذي سوف يتعامل مع هذا الشعار ويحتضنه.

لم يؤسس الشعار على منطق، ولم تؤخذ في الحسبان عواقبه ونواتجه، لهذا تمخض عن تبعات وانعكاسات مخيبة للآمال لكل الأطراف المعنية به.

فيا تُرى هل أجريت دراسة للتعرف على الصورة المثلى لتوطين العامل السعودي في القطاع الخاص؟ وهل أخذ رأي القطاع الخاص أو نسق معه قبل رفع هذا الشعار؟ وما الانعكاسات العملية لهذا الشعار على الأداء وعلى الإنتاج في القطاع الخاص؟ وهل حقق النتائج المرجوة لكلٍ من: العامل وصاحب العمل؟ هل سعت الجهة المعنية بالسعودة إلى تلقي تغذية راجعة من القطاع الخاص عن نواتج تطبيق شعار السعودة؟

أسئلة كثيرة مهمة، يبدو أنها لم تدر في ذهن رافع الشعار، كل ما في الأمر بريق شعار داعب عواطف بعضهم، ووجده مدخلاً مناسباً لمعالجة وضع سوف يفضي إهماله إلى حالة من الاضطراب والقلق، كما أنه شعار يمكن التعامل معه بسهولة، ورؤية نتائجه الكمية بوضوح، لكن هذه المعالجة بدت ناقصة، وأفضت إلى تبعات زادت الطين بلة، ورشح عنها مشكلات أعقد وأعمق مما كان يظن من نواتج مأمولة لهذا الشعار العاطفي الذي لم يبن على رؤية سليمة، وأسس واضحة متينة، صحيح أنه أطرب بعضهم لفترة وجيزة، لكن وبعد سنوات من رفع هذا الشعار، تبين أنه شعار حالم، وأن واقعه لم يرقَ إلى أقل درجات الآمال المرجوة منه، فالعامل السعودي لم يتوطن، بل هو عابر سبيل يعد العمل في القطاع الخاص مجرد محطة انتظار، للفرصة المنتظرة بشوق عارم للعمل في القطاع الحكومي، وصاحب العمل تضرر من عدم جدية العامل وانتمائه، فتضررت الأعمال، وتردت كفاءة المخرجات ومصداقيتها، وأضحى ينظر إلى المستقبل بقلق وترقب لما هو أسوأ، والخاسر الأكبر المستثمرون خاصة، والاقتصاد الوطني عامة.

إن الوضع الراهن للسعودة ينبئ عن مخاطر جمة تتطلب تدخلاً مستعجلاً من الجهة المعنية بهذا المشروع الوطني، فالحال لا يحتمل المزيد من أوجه الفشل والخسارة التي بدت ملامحها واضحة على مستويات الأداء في القطاع الخاص، ولإيضاح الصورة التي آلت إليها الأوضاع أستشهد بمجال يعد من أكثر المجالات تعاملاً مع شعار السعودة، ومن أكثرها تضرراً منه، إنه قطاع التعليم الأهلي.

في هذا القطاع ألزمت المدارس الأهلية بتوظيف معلمين سعوديين في تخصصات معينة، بحكم أنه يتوافر منهم أعداد كبيرة فيها خارج نطاق الخدمة المدنية، وفتح ملاك المدارس الأهلية أبواب المدارس مشرعة لهؤلاء المعلمين، تفعيلاً لدورهم الوطني، وأملاً في توطين الوظائف واستقرارها، لكن واقع الحال كشف عن معاناة هائلة جداً من عدم مبالاة جل المعلمين السعوديين الذين يلحقون دون قناعة منهم للعمل في المدارس الأهلية، وتبدو المعاناة في صور شتى، يأتي في مقدمتها، نظام العمل والعمال الذي لم يفرق بين معلم يعمل في مدرسة تربي العقول، وعامل يعمل في مزرعة تربي العجول، فهذا النظام يشجع على التراخي والتكاسل وعدم المبالاة، لهذا لوحظ أن فئة من المعلمين يتأخرون عن الحضور الصباحي، ولا يلتزمون بالفعاليات التربوية والتعليمية للبرنامج الدراسي اليومي، فهم كثيرو التذمر والغياب، لا يأبهون لبرامج التنمية المهنية والتطويرية، يكثرون من تسويغ الغياب وإهمال الواجبات التدريسية، يتخلون عن العمل حال توفر فرصة أخرى، دون تنسيق مع ملاك المدارس أو إعطائهم مهلة لتوفير البديل الذي يتعذر توفيره توقيتاً وكفاءةً، فالنظام التعليمي لا يتحمل تأخر المعلم ولو لدقائق معدودة، فما بالكم بتأخره عدة أيام وأحياناً أسابيع، والمتضرر الرئيس من هذا الوضع الطلاب أولاً، وملاك المدارس الذين يواجهون غضب أولياء أمور الطلاب وتذمرهم من عدم توفير المعلم البديل حال انقطاع المعلم الموطن قصراً تحت شعار (السعودة).

إن شعار السعودة في التعليم الأهلي أولى عنايةً واهتماماً بالمعلم، لكنه أضر ضرراً بالغاً بالطالب، عني الشعار بواحد وأهمل مئة، والمئة أغلى من الواحد، هؤلاء المئة أمانة في أعناق ملاك المدارس، وهم أمل المستقبل، فكيف نضحي بهم من أجل تأمين فرصة عمل لواحد غير آبه بهذه الفرصة، والمنطق السليم يقول: على الباحث عن العمل أن يتحمل المسؤولية بنفسه، وعليه أن يبحث عن الفرص المتاحة بذاته.

إن إصرار وزارة التربية والتعليم على سعودة بعض التخصصات في التعليم الأهلي دون إلزام المعلم والتزامه بأن يعمل حتى نهاية العام الدراسي يعكس حولا في التفكير، حيث وجهت الوزارة عنايتها إلى واحد (المعلم) هي غير مسؤولة عنه، ونسيت بل تسببت في فشل مئة طالب هي مسؤولة عنهم، لهذا يجب أن يلتفت إلى المئة، وعلى الواحد أن يتدبر أمره.



Ab_moa@yahoo.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد