Al Jazirah NewsPaper Friday  29/05/2009 G Issue 13392
الجمعة 05 جمادىالآخرة 1430   العدد  13392
هل الخلل في الأنظمة والتعليمات أم في المراقبة والأفراد؟
د. حامد بن مالح الشمري

 

كما نعلم جميعاً أن المملكة العربية السعودية دولة مؤسسات، يسير جميع شؤونها ومهامها سلطات ومؤسسات وهيئات محددة تكفل تطبيق الحقوق والواجبات بصورة منظمة تحقق المصلحة للجميع يترجم ذلك جملة من التعليمات والضوابط واللوائح.

بغية تنظيم كل جوانب الحياة وعدم فتح المجال للاجتهادات والتجاوزات التي تؤدي إلى تأخر أو ربما ضياع وهدر الحقوق وعدم حصولها إلا عبر قنوات وطرق متنوعة وغير مشرعة، ومما يثلج الصدر أن تلك الضوابط واللوائح مرت قبل خروجها وإقرارها بسلسلة من الإجراءات منها الاطلاع على تجارب الآخرين والدراسة والتدقيق والمراجعة من قِبل نخب من المتخصصين علمياً وعملياً في الجهات الاستشارية وعلى رأسها شعبة الخبراء بمجلس الوزراء واللجان المتخصصة بمجلس الشورى وغيرهما من اللجان والمجالس الاستشارية مما جعلها تتسم بالشمولية والدقة وتحقيق تطلعات ومصلحة الوطن والمواطن -طبعاً- في حال احترمت وتم العمل بموجبها بالشكل السليم.

ولكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن: إلى أي مدى تمكنت هذه المؤسسات بما تحمله من عدة وعتاد- ممثلاً في كل من يقوم عليها من قيادات وكوادر بشرية وجهات استشارية وتنفيذية إضافة إلى ما لديها من تعليمات وأنظمة ولوائح وتقنية يدعم كل ذلك عطاء لا محدود من ولاة الأمر -تمكنت من الحد من بروز الفساد الإداري والمالي بمختلف أشكاله وكبح جماحه- في حدود مسؤولياتها. وفرض مظلة من الرقابة على أداء جهاتها لضبط أعمالها ومنع حدوث تجاوزات تلحق الضرر بمصلحة الوطن والمواطن.

نُدرك جميعاً أننا نواجه بطئاً في تحسين البيئة الإدارية وضعف مستوى الأداء في العديد من الجهات وخصوصاً ذات العلاقة بتقديم الخدمات التي جعلت من البيروقراطية شماعة لتقصيرها، ففي الوقت الذي كنا ننتظر فيه أن يتم العمل بالمفاهيم والتطبيقات الإدارية الحديثة التي تتفق في المقام الأول مع تعاليم ديننا الحنيف، مثل مفاهيم مبادئ إدارة الجودة الشاملة وتطبيقاتها، أهداف إدارة وتنمية الموارد البشرية في ضوء مفاهيم ومزايا إدارة التغيير والتخطيط الاستراتيجي، وتوظيف ذلك مع ما وصلت إليه بلادنا من تقدم وما تتمتع به من إمكانات وموارد طبيعية نجد أنه برزت لدينا ممارسات إدارية تتناقض مع الوظائف الأساسية للإدارة والركائز الدينية والأخلاقية المعروفة عن مجتمعنا الأصيل، حتى انه قد لا يستغرب أن ترى بعض الموظفين يلوحون بالأنظمة واللوائح في وجه المواطن جاعلين منها سلاحاً ذا حدين ويعملون بها بشكل انتقائي بل إن بعضهم ينصب نفسه متحدثاً باسم النظام وحارساً أميناً له، وهو في الواقع أبعد ما يكون عن ذلك وعكسه تماماً مما يفتح الباب على مصراعيه أمام ضعاف النفوس للتمادي في مضايقة المواطنين وتعطيلهم لحساب مصالحهم الخاصة وتمكنهم من اختيار الأقل كفاءةً سواء لتنفيذ المشاريع أو للحصول على بعض الخدمات أو غير ذلك مما يعكس صورة غير حقيقية للتوجه والنهج الواضح لولاة الأمر -يحفظهم الله- وحرصهم على راحة المواطن وتيسير شؤونه والرفع من مستوى الخدمات والإنتاجية وإعطاء كل ذي حقٍ حقه.

لقد ارتفعت مع كل ذلك المؤشرات ودقت النواقيس معلنة الخطر بوجود خلل وبيئة خصبة لتعاظم قوة واستشراء الفساد الإداري، الذي يعد في الدول الغربية وغيرها فضيحة وخيانة عظمى قد تصل بمرتكبها إلى إنهاء حياته من تلقاء نفسه أو تقديم استقالته عند شعوره بافتضاح أمره، وهذا بخلاف ما يتم في الدول النامية!!!.لا شك أنه لا يمكن تشبيه الفساد الإداري إلا بمعول هدم حقيقي لكل مظاهر التنمية المادية والمعنوية والاجتماعية وعدوها اللدود، وقد أصبح البحث عن مكامن الخلل والمعالجة الناجعة أمراً وضرورة ملحة يصعب تأجيلها ولا سيما أن بلادنا ولله الحمد تسير بخطى متسارعة نحو التنمية المستدامة المتوازنة ولديها خطط طموحة للنهوض بمستوى الخدمات والأداء في جميع الجهات إلا أن الفساد الإداري- ودون أدنى شك- سوف يشكل عقبة حقيقية أمام ذلك، وربما أن من مسببات المشكلة:

1 - عدم وجود التهيئة والمتطلبات المسبقة لتطبيق النظام في الجهات ذات العلاقة، وهذا أمر وارد وعلى سبيل المثال: نظام العمل والعمال، وهو من الأنظمة الجديدة لمعالجة وتنظيم كل ما يتعلق بالقضايا العمالية، إلا أن الواقع أن بعض مكاتب العمل لا تملك الإمكانات (البشرية والآلية والفنية) الكافية لتطبيق وممارسة هذا النظام، وبالتالي فإن جزءاً كبيراً منه سيبقى حبيس الآمال والأدراج، ولا سيما أن جانباً من القضايا العمالية كان يعالج من قِبل الجوازات فأصبح يعالج من قِبل مكاتب العمل، وهذا يتطلب دعماً وإمكانات إضافية لمكاتب العمل في المناطق لمواجهة متطلبات تطبيقه، ولا نستطيع أن نقول في مثل هذه الحالة تحديداً، إن عدم تطبيق هذا النظام عائد لفساد إداري ولكن في حال استمرار عدم توفر متطلبات فسوف تستمر إدارة وممارسة بعض مواد هذا النظام بعيداً عن روح وجوهر النظام.

2 - وجود جمود وثغرات في بعض الأنظمة، وهذا أيضاً أمر وارد، ولا سيما أن من وضع هذا النظام أو ذاك بشر، والخطأ وارد من أي بشر، وهنا تبرز أهمية جانب المتابعة والتقييم وجمع المعلومات واستطلاع آراء الجهات التنفيذية والمستفيدة للمعالجة والتطوير والتحسين لبلوغ الهدف المنشود وهو ما يؤكد الواقع افتقاده والحاجة الملحة إلى إعادة النظر في ذلك.

3 - ضعف الوازع الديني وعدم الاكتراث بالاعتبارات الأخلاقية والوطنية لدى كل من يمارس أي شكلٍ من أشكال الفساد الإداري متعمداً، وهنا تستقر الكرة في مرمى الجهات الرقابية والإشرافية (فمن أمن العقاب أساء الأدب).

4 - تقوم شريحة كبيرة من الموظفين المعينين على بند الأجور والعمال والفئات والمراتب الدنيا بأعمال غاية في الحساسية والأهمية تتمثل في المراقبة والجولات الميدانية واستكمال الإجراءات الإدارية للخدمات المطلوبة وغيرها في بعض الأجهزة الحكومية، وهؤلاء الموظفون يحصلون على رواتب متدنية مما يشكل لبعض ضعاف النفوس بيئة ملائمة للفساد الإداري وقبولهم للرشوة وغيرها في ظل ضعف الإدارة والمراقبة واتخاذ بعض التدابير الوقائية.

لا أعلم ما الذي يمنع من الاستفادة من التجارب الإدارية الناجحة لبعض الدول في إجراءاتهم الرقابية لخلق بيئة عمل تتسم بالشفافية والنقاء والتحفيز والمحاسبة يمكن من خلالها تقديم مستوى راقٍ من الخدمة؟ لا أعلم متى سيتمكن من يريد استخراج رخصة استثمارية أو خدمية من استكمال إجراءاته خلال مدة قصيرة؟ لا أعلم متى سنرى الموظف يحضر إلى عمله وينصرف- دون استقطاع وقت طويل فيما لا يفيد- ويستقبل المراجع بوجه بشوش وينجز معاملته بالدقة والسرعة المطلوبتين؟ لا أدري متى سنتجاوز الروتين الممل الذي اضمحل معه التفكير وتحجرت منه العقول وتجمدت بفعله الدماء وتباطأ معه الإنجاز وتأخرت بفعله المشاريع وظهر بعضها بمستوى رديء؟ لا أعلم متى سوف نرى نظرة تنموية متكاملة تعتمد على المقومات والإمكانات التنموية ومتى يلمس الجميع بأن هناك معالجة حقيقية لهمومه وتطلعاته وفق عمل مؤسسي متناغم ومتسارع بعيداً عن الفقاعات الإعلامية والمعالجات الوقتية؟ لا أدري متى سيكون لدينا دورة اقتصادية متكاملة ينبثق عنها أنشطة اقتصادية واستثمارية واجتماعية تحتوي وتستقطب أبناء الوطن وتشغلهم في المفيد وتبعدهم عن كل ما يسيء للدين والوطن؟ متى سنتمكن من انتهاج أساليب إدارية ناجحة تختصر الوقت والجهد اللذين تتطلبهما دراسة وتصميم واعتماد مبالغ المشاريع بدلاً من انقضاء سنوات طويلة ما بين دراسة وتصميم واعتماد، والمحصلة أن يُولد لنا مشروع فاقد القيمة متقادم التصاميم غير متسق مع المرحلة الزمنية التي اكتمل فيها؟ متى سيكون لدينا حب التغيير والقدرة على التخلص من المركزية في ضوء مبدأ الثواب والعقاب؟.

العلم عند الله.. لن نيأس ولنكن على يقين بأن ذلك ليس ببعيد إن شاء الله بعقول وسواعد أبناء هذا الوطن الأوفياء، ثم بالرفع من كفاءة أجهزة الرقابة والمتابعة والتقييم وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب على الجميع دون تفاوت والحاجة قائمة إلى إعادة النظر في أداء بعض الجهات الحكومية التي لم تقم بالدور المطلوب منها والخير- إن شاء الله- في بلادنا وحكامها وشعبها المتمسك بدينه وقيمه إلى أن تقوم الساعة.



Riyadms2@yahoo.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد