Al Jazirah NewsPaper Thursday  28/05/2009 G Issue 13391
الخميس 04 جمادىالآخرة 1430   العدد  13391
شيء من
المملكة ومصر وقراءة التاريخ
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

 

المملكة ومصر هما دعامة استقرار المنطقة وأمنها، وسياجها المتين في وجه الرياح القادمة من الخارج، سواء كانت هذه الرياح إقليمية، أو قادمة من خارج المنطقة. والعلاقة السياسية بينهما تصب في هذا المعنى، متانتها متانة لسياج واستقرار المنطقة، والعكس صحيح. والمتغيرات التي تمر بها منطقتنا الآن، وبالذات التحديات (الإقليمية) على وجه الخصوص، تتطلب ترسيخ هذه العلاقة، وتقويتها، وأن ننأى بها عما يعكر صفوها. هذه هي (المسؤولية) التي يجب أن تكون نصب عيون الجميع، ونصب عيون المثقفين على وجه الخصوص من الطرفين في هذه الظروف تحديداً. وفي الوقت نفسه نحن في أمس الحاجة إلى قراءة العلاقات التاريخية بين الشعبين قراءة موضوعية، لا تنتزع التاريخ من سياقاته، وبواعث وأسباب مكوناته، لكيلا تنتهي بنا إلى نتائج مضللة، أو غير دقيقة، وكذلك عدم الاكتفاء بما هو شائع عند إطلاق الأحكام.

أتذكر -مثلاً- أنني قرأت للكاتب المصري المعروف الأستاذ أنيس منصور في جريدة (الشرق الأوسط) اللندنية في عددها الصادر في 26 أبريل 2009 مقالاً تعرَّض فيه لمثل هذه القضايا، وإن كان عن طريق (التلميح)، وبأسلوب ساخر، وقد وجدت أن نقاش هذه المعلومات، وإثارة مثل هذه القضايا الحساسة، جديرة بالبحث هنا.

يقول الأستاذ أنيس منصور في مقاله الذي كان بعنوان (غيرتم ديننا ولغتنا ولم نقل شيئاًَ!): (لا أعرف من الذي أثار موضوع الدرعية. وحمدت الله أنني أجلس بعيداً عن الذين أثاروا هذا الجرح القديم. وانشغلت في حوار جانبي حتى لا يتساقط الكلام والمداعبات في مثل هذا الموضوع. ووجدت أنني غير مستعد أن أناقش في هذا الموضوع القديم الذي لا علاقة له بمصر الحديثة. إنه قديم بأفكار قديمة وأهداف غير مصرية).

وبعد خمسة أيام، وتحديداً في 1 مايو 2009 قرأت في الصحيفة نفسها تعقيباً لأحد القراء، موقع باسم (قارئ سعودي محب لمصر). التعقيب كان في تقديري موضوعياً وجاداً، أشار فيه كاتبه إلى نقاط مفصلية، أثرت النقاش، ووضحت العلاقة وأبعادها التاريخية، و(بواعث) الأحداث التي سطرت ذلك التاريخ، وصحح الكثير مما هو شائع. يقول: (إن حملات محمد علي باشا على نجد لم تكن من رغبة المصريين، فلعلك تذكر ما كشفت عنه وثائق هذه الفترة أن جيش إبراهيم باشا كان يضم -في أكثره- جنوداً غير مصريين من أتراك وشركس وألبان، والمصريون في جيشه كانوا قلة، وما كان صنيع محمد علي باشا إلا تلبية لسياسة العثمانيين وتحقيقاً لرغبتهم في إخماد القوة والوحدة في نجد قلب الجزيرة العربية؛ حرصاً على دوام سيطرتهم في الحجاز وسواحل الجزيرة العربية شرقاً، وأطرافها الشمالية).

وقد أشار التعقيب إلى نقطة جوهرية جاء ذكرها في مقال الأستاذ أنيس منصور، وهي (الدرعية)، التي تعني لنا نحن السعوديين أكثر من مدينة، أو عاصمة، وإنما رمزاً معنوياً وتاريخياً خالداً، وقيمة ضاربة في وجداننا تعني لنا الجذور التي يرتوي منها وجودنا، فهي ليست مجرد مبان وأنقاض وآثار مهدمة، ولكنها أكثر من ذلك بكثير؛ يقول بالنص: (فأنت يا أستاذ أنيس لما تجولت في (الدرعية) رأيت ما يراه البصر من هدم المباني ودمار العمران، ولم يخطر ببالك أن الهدم الحقيقي كان موجهاً ضد الحكم الذي سكن الدرعية وضد كيان الدولة التي نشأت فيها). انتهى.

لقد غادر التاريخ تلك الأصقاع من العالم، منذ ما يقارب الاثني عشر قرنا من الزمن، عندما انتقل إلى الشام ومن ثم العراق، وانتشر فيما بعد في بقية أرجاء العالم الإسلامي، فأعادته الدرعية إلى مهده، وانتقلت بنا نحن السعوديين إلى التاريخ من جديد، وحققت لنا مكاناً رفيعاً تحت الشمس. والذي يجب ملاحظته هنا أن أغلب من كتبوا عن الدولة السعودية الأولى، وعن دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، اكتفوا بما هو ظاهر على السطح دون الغوص في الأعماق، فجاءت كثير من الدراسات عنها دراسات مكررة، تفتقد إلى الدراسة التحليلية العميقة التي تواكب أهمية هذه الدولة من جانب، ومن جانب آخر تواكب وترصد ما ترتب عليها من أحداث عميقة ومؤثرة في المنطقة وليس في المملكة فحسب.

ربما أن الأتراك العثمانيين استطاعوا أن يهدموا (الدرعية)، غير أن هذه المدينة كانت أكبر من أن تهدم. فقد بقي تأثيرها عميقاً في الذهنية العربية، وليس السعودية فحسب، حتى اعتبرها الدكتور محمد عابد الجابري الكاتب المغربي المعروف في حواره الشهير مع الدكتور حسن حنفي في مجلة (اليوم السابع) قبل سنوات (الباعث) والمحفّز الحقيقي للنهضة العربية الحديثة، وليس حملة نابليون كما هو شائع.

كل ما أريد أن أقوله في هذه العجالة أن نستشعر (مسؤولية) قراءة التاريخ قراءة موضوعية، دقيقة، وحصيفة، وكذلك جادة، وألا ننتزعه من سياقه، ونعتمد على (الشائع) بغض النظر عن صوابيته من عدمها. هذا كل ما هنالك.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد