زاوية تهتم بكل ما يتعلق بالطب النفسي والتنمية البشرية وتطوير الذات.. نستقبل كل أسئلتكم واقتراحاتكم.
الاحباط واللامبالاة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كنت أتصفح في يوم ما جريدة الجزيرة ووجدت لك مقالاً مذيلاً باسمك وإيميلك، كنت تتحدث وبالتخصص عن إضاءات نفسية وهي البوابة الوحيدة التي أبحث عنها حتى أحاول أن أغير وجهات نظر وأساليب وطبائع طلاب في المرحلة المتوسطة قتلتهم الاتكالية المفرطة واللامبالاة، قتلتهم العشوائية وموت النظرة المستقبلية، كنت أحاول جاهداً ولا أقول فشلت ولكن أقول لازلت في غمار التجربة، أتمنى أن يبتعدوا عن الكثير من الملهيات في عالم النت من ترافيان وغيرها من الحروب والألعاب التي زادت الطين بلة.
أتمنى يا دكتور أن تكتب مقالاً يخصهم ومرحلتهم التعليمية، لا أعرف كيف تتغير لديهم هذه النفسية المتعسرة الولادة لدى الطلاب في الوقت الحالي.
كنت من وجهة نظري أحتاج الكثير والكثير حتى أصل بهم إلى بر الأمان ولكن الخطر اشتد سواده وعلمت أن المخرج في هذه المرحلة الخطرة هو دور أصحاب التخصصات النفسية وما يتعلق بطبيعة الطالب وكيفية التعايش والتخاطب معه.
وفقكم الله ورعاكم دكتوري العزيز محمد اليوسف
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أخى العزيز بداية أشكرك على اهتمامك كمعلم بمستقبل طلابك وطريقة نظرتهم للأمور.
للأمانة هذا الموضوع قد يصعب تناوله في عبارات معدودة لأنه بالغ الأهمية وله عدة جوانب مختلفة ومؤثرة.
علينا أولاً كمجتمع بشكل عام أن نفهم كيف يشعر ويفكر من هو في هذه المرحلة العمرية، لأن هذا هو المفتاح الحقيقى لمعرفة طبيعة الرسائل المطلوبة لمثل هذه المرحلة.
للأسف الشديد فإن التأثير حالياً ليس مقصوراً فقط على البيت والمدرسة كأساس كما كان في السابق، بل أصبحت المؤثرات متعددة ومتنوعة، فمن الفضائيات إلى عالم الإنترنت وغير ذلك. هذا بلاشك يزيد المهمة صعوبة، إذا أضفنا إلى هذا الثقافة الشعبية السلبية التي بدأت تسود حتى لدى أقارب وأولياء أمور الطلاب ويتم تمريرها في الكثير من الأحيان إلى الطالب دون وعي بخطورتها.
مثال ذلك ما يتناوله الكثير من الطلاب في هذه المرحلة من أفكار سلبية عن المستقبل فيما بينهم (عندما أكبر حتى لو أكملت الدراسة فلن أجد الوظيفة) أو (الواسطة أهم من الشهادات في المستقبل لذلك لا داعي للتعب وبذل الجهد).
علينا أن نكون واقعيين ونعترف بأن مثل هذه الأفكار يتم تداولها بين الطلاب -للأسف الشديد- وبتعزيز حتى من بعض أولياء الأمور الذين قد لا يستوعبون خطورة زرع مثل هذه الأفكار في رؤوس الطلاب ومدى الإحباط الذى تسببه لهم. (السؤال الأهم هنا هو كيف نخاطب عقول الطلاب في مثل هذه المرحلة بطريقة واقعية آخذين في الاعتبار الثورة التكنولوجية الحالية وتحديات العصر الحالي؟).
سأطرح هنا بعض النقاط التي أسأل الله أن ينفع بها الطلاب في مثل هذه المرحلة:
1 - كل شيء في الحياة له جانب إيجابي وجانب سلبي، الناجح هو الذى يركز أكثر على الجانب الإيجابى دائماً، فمثلاً الإنترنت بإمكانك كطالب أن تضيع وقتك كله على الألعاب أو غير ذلك وبإمكانك أن توزع وقتك بين اللعب حيناً والبحث في مواقع أو منتديات تعليمية عن ما يساعدك على التطور كإنسان والارتقاء بطريقة تفكيرك أكثر.
2 - النجاح ليس مقصوراً فقط على امتلاك القدرات العقلية العالية بل النجاح الأكبر يتحقق من خلال تطوير مهاراتك الاجتماعية، وفن التواصل مع الآخرين واكتساب الخبرة منهم وطلب المساعدة والدعم بالطريقة المناسبة.
3 - من الطبيعي في مثل هذا العمر أن تمر بالطالب بعض الأفكار السلبية عن نفسه وعن قدرته على النجاح في المستقبل، لكن يجب أن لا تستسلم لمثل هذه الأفكار بل قاومها دائماً بتذكر أن الله سبحانه وتعالى لا يضيع أجر المجتهدين أبداً. يقول المولى سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا). والحقيقة أن المجالات حالياً أصبحت أكبر بكثير من السابق، فالذي لا ينجح في المجال التعليمي مثلاً يمكنه النجاح في المجال التجاري أو التقني أو غير ذلك. فالنجاح ليس مقصوراً أبداً على الشهادات العلمية بل هناك أوجه متعددة ومختلفة للنجاح.
4 - من المهم أن تبني تقديرك واحترامك الخاص لذاتك بعيداً عن الصعوبات التي تواجهها، فكلنا نواجه صعوبات من وقت لآخر (هذه طبيعة الحياة) لكن المهم هو أن لا تقلل من قيمة نفسك أو تحتقرها بل يجب أن تشعر بأهميتك كإنسان وأن لك دوراً ينتظرك في الحياة من خلال خدمة المجتمع في أي مجال من المجالات وأن ذلك له أجر عظيم عند الله سبحانه وتعالى وقد يكون طريقك المباشر إلى الجنة. قال صلى الله عليه وسلم: (من سلك طريقاً يبتغي فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة)، وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: (إذا قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فليغرسها)، وهذا يدل على أهمية العلم والعمل وخدمة المجتمع كرسالة أساسية يجب أن تحملها الأجيال جيلاً بعد جيل.
5 - حاول أن تكتشف المواهب والقدرات التي وهبها الله لك ولا تقل أبداً أنا عاجز لأن كل منا قد وهبه الله ملكات خاصة به، ودوره الحقيقي هو أن يفتش عنها ويستثمرها بشكل إيجابي، فقد تكون ضعيفاً في الرياضيات مثلاً لكنك متميز في اللغة العربية أو العكس، ومن ثم فتش عن نقاط قوتك واعمل على تطويرها شيئاً فشيئاً.
6 - احذر أن تكون مجرد متلق سلبي لأي أفكار سواء عن طريق الإنترنت أو التلفاز أو ما تسمعه من هنا أو هناك، بل درب نفسك من الآن على تطوير العقلية النقدية، فليست كل فكرة يجب أن تكون بالضرورة صحيحة ومفيدة بل يجب أن تتساءل هل هذه الأفكار التي أقرأها أو أسمعها صحيحة وهل هي مفيدة لي أم لا؟ لأن كل فكرة تقبلها بشكل سلبي دون التفكير في صحتها أولاً سوف تؤثر على سلوكك إما إيجابياً أو سلبياً.
7 - استشر من تثق بأمانته وعلمه ليوجهك التوجيه الصحيح، وتعلم من أخطاء من سبقوك، وحاول أن تستفيد من خبرات الآخرين في المجال الذي تشعر أنك حالياً تميل إليه بشكل أكبر.
8 - أنصح بالقراءة في مجالات تطوير الذات واكتساب مهارات التفكير الإيجابي والتفاؤل لأن هذه الأمور يمكن اكتسابها وتربية النفس عليها، وهناك الكثير من الكتب سهلة القراءة كبداية، وعلى سبيل المثال وليس الحصر: (كتاب استمتع بحياتك للشيخ الدكتور محمد العريفي)، (وكتاب مبادئ النجاح لجاك كانفيلد). وليس بالضرورة أن تستوعب أو حتى تقرأ كامل الكتاب لكن قراءة فقرات بسيطة ولو على فترات متباعدة سيدعمك بأفكار إيجابية ضرورية لبناء الشخصية في مثل هذه المرحلة العمرية.
9 - قد تشعر في عمرك الحالي ببعض الصعوبات، هذا لا يعني أن هذا الحال سيستمر، بل الطبيعي هو أنك ستكتسب مهارات وإمكانيات إضافية كلما تقدمت في العمر، لذا لا تيأس بل استمتع بتطوير مهاراتك واكتساب معلومات مفيدة وجديدة كل يوم واجعل ذلك عادة تستمر معك طوال حياتك.
شكراً لك مرة أخرى عزيزي المرسل وأسأل الله لك ولطلابك التفوق والنجاح الدائم.
إضاءة
الحياة مليئة بالحجارة فلا تتعثر بها بل اجمعها وابن بها سلماً تصعد به نحو النجاح.
دكتوراه في الطب النفسي
كلية الطب ومستشفى الملك خالد الجامعي - الرياض
e-mail: mohd829@yahoo.com