قرأت خبر وفاة الأسبانية (ماريا أميليا لوبيز) التي تعتبر - كما أشارت وسائل الإعلام - أكبر مدونة في العالم، عن عمر يناهز 97 عاماً.
وكانت لوبيز قد دخلت عالم التدوين قبل عامين، عندما أنشأ لها أحد أحفادها مدونة وقدمها لها كهدية في عيد ميلادها الـ95، لتبدأ عالم التدوين تخط تجربتها وذكرياتها..
تبادرني السؤال كيف للماضي أن يحيا في الحاضر؟ وكيف لتلك القرى البسيطة أن تحيا في أحضان المدن العصرية وكيف لتلك الذكريات المليئة بغبار الزمن أن تحيا وسط نقاء شاشات ال (الحاسوب)؟
تذكرت قول الشيخ الراحل (عبدالعزيز التويجري):
(لي تجربة نسبية فيما بين يومي الأول الذي كنت فيه أفرح إذا ملكت عشراً من الضأن أو بعيراً أو بعيرين، أو نخلة أو نخلتين، وبين يومي هذا الذي بنى لي فيه النفط قصراً وأدخل فيه من الأشياء ما أنساني نومي على حصير من سعف النخيل، أو على كثبان من رمال الدهناء وألهاني عن الخيمة والصحراء والربيع ونجوم السماء، وشم نسيم الصبا...)
كلام قاله يوما حينما كانت الذكريات تهب بريحها على أغصان فكره فتسقط أوراق أيامه السابقة ليراها ويقلبها بين يديه.. وحقا ما قال، فالحاضر ينسي ما مضى لولا رياح تنتاب ذاكرتنا أو تعترض قافلتنا أو تتشكل لنا في قالب يشبه تلك الراحلات... عندها نستوقف عقارب الزمن الآخر ليس زمن الدقائق والساعات بل ذاك الزمن الذي تسكن عقاربه في ذاكرتنا نملك أن نجعلها تسير عكس المعتاد.. كما استدعت تلك المدونة أطرافا من حياة تلك العجوز..
***
ها هي الحياة تشرع أبوابها لكل شيء لا تضيق ذرعا بما فيها وما ليس فيها.. كل يمارس عمره فيها بما كتب الله له وحكم عليه ويطل بعينيه على جزء منها يخط فيه حكايته وقصته ويربطها بقصص أولئك الذين شاركوه صفحته في الحياة ومهروا عليها توقيعاتهم..
كل زاوية في هذا الوجود تحدث أخبارها.. وتختزل أسرارها وتحمل في تكوينها حديثا خطه يوما عليها أحدهم.. ومن تلك الزوايا هذه الزوايا القابعة في تكويننا.. في أفكارنا.. أفئدتنا.. أجسادنا.. أرواحنا.. ظاهرنا وباطننا.. كم تحمل من الأحاديث التي مارسَتها يوما مع هذا الشريك الأعظم.. مع هذا الوجود.. بكل ما فيه وما ليس فيه؟!
كم تزور ماضيها؟ وحاضرها؟ وقادمها؟
***
نحن وجود يسكنه الأمس ويعيش في الآن ويفكر في القادم.. وجود يحيا وسط وجود..
وكما للوجود الأعظم مواسمه فلنا أيضا مواسمنا.. شروق وغروب.. قيض وزمهرير.. ربيع مورد.. وخريف نافض.. تشبه أوراقه المتساقطة أزمنتنا الماضية.. وتشبه رياحه التي تسوق تلك الأوراق تلك الأقدار التي تمضي بنا إلى المتواري خلف أستار الغيب..
***
ونبقى في وجودنا الصغير سؤالاً كسؤالنا عن الطقس والموسم وإجابة لا تختلف كثيراً عن تلك الإجابة التي نردف التنبوء بها.. (بمشيئة الله)
مواسم كثيرة تتعاقب على أنفسنا لسنا فيها إلا ذلك الذي يرصد ويتنبأ.. وسيأتي يوم ليدوِّن هو - أو من تقاطعت معه حياته - تلك الذكريات أو فلنقل تلك الأطلال..
almdwah@hotmail.com