«الجزيرة» - الرياض
كشف أمين جائزة خادم الحرمين الشريفين العالمية للترجمة المكلف ورئيس اللجنة العلمية للجائزة الدكتور سعيد السعيد وجود مؤشرات واضحة على نجاح الجائزة في دفع حركة الترجمة من وإلى اللغة العربية والاستحواذ على اهتمام كبريات المؤسسات العلمية في جميع أنحاء العالم، وتشجيعها على مضاعفة جهودها في مجال الترجمة. وأضاف د. السعيد في لقاء ل(الجزيرة) أن ارتباط الجائزة باسم خادم الحرمين الشريفين عبد الله بن عبد العزيز منحها قوة كبيرة تنبع من مواقفه - يحفظه الله - في تعزيز الحوار بين الثقافات والحضارات، وجهوده المستمرة لخير الإنسانية، وأشار د. السعيد إلى ضعف حركة التأليف العربي في مجال العلوم التطبيقية، وما يلحق بذلك من تواضع مستوى الترجمة في هذا المجال، مؤكداً أن ذلك هو السبب في حجب جائزة الترجمة في العلوم الطبيعية من وإلى اللغة العربية. وفيما يلي تفاصيل الحوار:
* بداية نود التعرف على رؤيتكم لحجم تأثير جائزة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمية للترجمة في دورتها الثانية، وهل ثمة تغير في هذا التأثير عما كان في الدورة الأولى للجائزة؟
- الترجمة ركيزة أساسية من ركائز تطور الحضارة الإنسانية، والشواهد التاريخية التي نجدها في تاريخ الأمم كلها بما فيها المجتمع العربي والإسلامي تؤكد أن كل نمو وتقدم مرت به تلك الأمم إنما كان لدور فاعل ومهم أدته الترجمة - أو النقل كما كانت تعرف عند القدماء - في الارتقاء بالمستوى العلمي والفكري للإنسان، لأن المكتسبات التي حققتها البشرية منذ الأزل وحتى اليوم إنما كانت نتيجة لتضافر العقول من مختلف المجتمعات في تنميتها والوصول بها إلى شكلها النهائي ولا مجال لتضافرها والتقائها إلا عبر الإطلاع على النتاج العلمي المترجم، فعلى سبيل المثال: استفادت الثقافة العربية كثيراً مما أنتجه الفكر الإنساني في آسيا وأوروبا، وعملت على تنميته وتطويره، وبالتالي استفادت أوروبا في نهضتها الصناعية الحديثة بشكل عميق من التراث العلمي العربي، لذا يصبح من المسلّم به أنّ مواكبة التطور وتحقيق النهضة العلمية العربية لا سبيل أمامها إلا أن تسلك طريق الترجمة مجدداً.
والترجمة إنما تقوم على أيدي مترجمين يتميزون بالبراعة والكفاءة العالية، وإذا تقلص دور هؤلاء المترجمين أو مستوى إنتاجهم فلا شك أن له أثراً سلبياً في حركة الترجمة بشكل خاص والمستوى المعرفي بشكل أعم؛ وللرفع من مستوى المترجمين وتحفيزهم نحو التجويد والإبداع الحاجة إلى أن يكون هناك ميدان للتنافس يدفع بهم إلى صقل مواهبهم وتنمية قدراتهم وبناء إنتاجهم على أسس ومعايير علمية، ويتمثل هذا الميدان في جائزة خادم الحرمين الشريفين عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للترجمة، التي تقدم الدعم المعنوي والمادي للمتميزين من المترجمين وتحث غيرهم على تحسين نتاجهم من خلال تمثل وتطبيق المعايير التي تعتمدها الجائزة في منح جوائزها.
ومن هنا يمكن القول إن دور جائزة خادم الحرمين الشريفين عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للترجمة في إثراء حركة الترجمة من وإلى اللغة العربية دور محوري مؤثر يدفع بعجلة الترجمة نحو آفاق أرحب وأوسع، ولا يقتصر هذا التأثير على دورة واحدة من دورات الجائزة وإنما هو تأثير طويل المدى سنرى نتائجه الإيجابية في مستقبل الدورات القادمة - بإذن الله -.
* ارتباط الجائزة باسم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - يحفظه الله - ورعايته الكريمة لها، إلى أي مدى ساهم في تحقيق عالميتها وزيادة حجم الاهتمام بها محلياً وعربياً وإقليمياً ودولياً؟
- موافقة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز على إطلاق هذه الجائزة وحملها لاسمه الكريم، شرف كبير وعامل من عوامل القوة للجائزة الرائدة والتي تأتي توافقاً مع رؤيته المرتكزة على إشاعة الحوار الحضاري والديني وتعزيز التقارب بين شعوب العالم وتنمية روح التفاهم بينها، وإنما يكون ذلك من خلال معرفة الآخر بكل مكونات ثقافته عبر الاتصال المباشر بنتاجه المترجم، والملك عبدالله شخصية عالمية لها وزنها، وكلنا نتابع ما يُنشر في الصحف ووسائل الإعلام الأخرى من ردود مثمنة لمواقفه ومبادراته التي تحمل الخير للإنسان ولا شك أن هذا الأمر جزء أساس لنجاح الجائزة وتحقيقها لتطلعاتها وأهدافها.
* ما شروط الترشيح للجائزة في مختلف فروعها وآليات هذا الترشيح بالنسبة للمؤسسات والهيئات والأفراد؟
- تحقيقاً لأهداف الجائزة في دعم حركة الترجمة والرقي بمستواها، تم وضع شروط الترشح للجائزة بحيث تكون محفزاً للترجمات الجيدة والحديثة، فعلى سبيل المثال تشترط الجائزة أن يكون العمل المرشح حديثاً بحيث لا يتجاوز تاريخ نشره خمس سنوات من تاريخ الدورة وهذا عامل جيد في تشجيع المترجمين وتحريك نشاط الترجمة من وإلى اللغة العربية، وتحاول الجائزة أن تتيح فرصة المنافسة لأكبر قدرٍ ممكن من المترجمين من خلال أحد الشروط الذي ينص على قبول عمل واحد فقط لكل مترجم ما يسهم في تقوية المنافسة بين المترجمين، وبالنسبة للهيئات والمؤسسات فمن الضروري أن يكون لها نشاط بارز وواضح في مجال الترجمة ولها إسهاماتها الواضحة في ذلك، وعلى كل من أراد الترشح للجائزة أن يقوم بالتحقق من وفاء عمله المرشحة لشروط الجائزة ومتطلباتها ومن ثم إرسالها عنوان الجائزة مناولة أو عبر البريد العادي والمبين تفاصيله في موقع الجائزة (www. translationaward. org).
* وماذا عن المعايير الواجب توفرها في الأعمال المرشحة للجائزة والفائزة بها؟
- تتطلع الجائزة إلى أن تكون نقطة تحول في مسار الترجمة من وإلى اللغة العربية؛ عبر ما تعتمده من معايير وضوابط علمية، فالعمل المترجم ينبغي أن تتوفر فيه جملة من الخصائص والصفات من أهمها: تميز موضوع العمل الأصل وجودة لغته وسلامتها، والحصول على إذن من مالك حقوق العمل الأصل بالترجمة، وتمكن المترجم من نقل كامل مضمون العمل الأصل بلغة سليمة وواضحة خالية من الأخطاء اللغوية والنحوية ومفهومة للقارئ، ونقل المصطلحات العلمية وتوحيدها، على أن يتمتع العمل بالأمانة العلمية بشكل عام في النقل والتوثيق.
* من خلال رئاستكم للجنة العلمية للجائزة، هل ثمة تفاوت بين حجم الأعمال المترجمة من اللغة العربية إلى اللغات الأخرى والعكس على المستويين الكمي والكيفي؟
- لا شك أن هناك اختلافاً، فطبيعة اختيار الأعمال المترجمة من وإلى اللغة العربية لم تكن في يوم خاضعة لضوابط معينة بل تحكمها عوامل متعددة لا يسع المقام لطرحها، ومن الطبيعي أن ينعكس ذلك على الأعمال المرشحة للجائزة، فتكاد تقتصر الأعمال المترجمة من اللغة العربية إلى اللغات الأخرى على الأعمال التراثية والتاريخية والدينية بينما تغفل شيئاً ما من المؤلفات الصادرة حديثاً في المجالات الإبداعية والتطبيقية عموماً، وفي الجانب المقابل تزخر الترجمة عن اللغات الأخرى إلى اللغة العربية خصوصاً من اللغة الإنجليزية في العلوم التطبيقية والإنسانية.
* كيف ترون حجم استجابة المؤسسات والهيئات المعنية بالترجمة في المشاركة في الجائزة مقارنة بالجهود الفردية؟
ما تلقته الجائزة خلال الدورتين الماضيتين من مشاركات وانطباعات تعكس اهتمام المؤسسات العلمية في العالم بالجائزة وتوضح عنايتهم بالمنافسة لنيل الجائزة في مجال جائزة الترجمة لجهود المؤسسات والهيئات، وحقيقة هذا الشيء يعطينا انطباعاً جيداً مفهومه أنّ الجائزة استطاعت على الرغم من قصر عمرها أن تلفت أنظار المؤسسات العلمية وأن تعيد تركيزها على الترجمة، وهذا بحد ذاته نجاح يحسب للجائزة
ولا سيما أن الترشيحات الواردة من قِبل المؤسسات جاءت من أنحاء مختلفة من العالم شرقه وغربه، وهذا ينطبق تماماً على ترشيحات الأفراد.
* حجب الجائزة المقررة لفرع العلوم الطبيعية من اللغة العربية إلى اللغات الأخرى هذا العام, ما أسبابه, وهل يعني ذلك ضعف مستوى الأعمال التي تقدمت للجائزة في هذا الفرع.. وما دلالات ذلك؟
- الجميع يُدرك أن تأليف العلوم التطبيقية باللغة العربية متواضع جداً، ولذا فمن المسلم به أن تكون الترجمة في هذا المجال أكثر تواضعاً، وبالتالي فمن الطبيعي أن يكون مستوى المنافسة في هذا المجال أقل بكثير عن تطلعات الجائزة لما ينبغي أن تكون عليه الترجمة، ففي الدورة الأولى حجبت الجائزة لضعف مستوى الأعمال المرشحة، وفي الدورة الثانية حجبت لعدم تقدم أي عمل للمنافسة فيه كما وضح ذلك البيان الصادر عن مكتبة الملك عبدالعزيز العامة ونشرته وسائل الإعلام المختلفة، والجائزة تهدف من وراء إطلاق هذا المجال إلى تحفيز التأليف والترجمة معاً في العلوم الطبيعية من اللغة العربية إلى اللغات الأخرى، ومن هذه الزاوية أظن أنه يمكن لنا أن نستنتج دوراً جديداً للجائزة لا يقتصر على الترجمة فقط.