إذا كنا نعتب على شركات القطاع الصناعي في مدينة الجبيل الصناعية، لتقصيرها في خدمة المجتمع، وتنمية مدينة الجبيل، وإغراقها بالعمالة الوافدة، وتحويلها إلى مركز إيواء ضخم تتنوع فيها الثقافات، وتنتشر في طرقاتها أنواع المخالفات، وتنتهك أحياؤها بتجمعات العمالة التي باتت تزاحم الأسر محدودة الدخل في مناطقها (المستورة)، فعتبنا على المجلسين المحلي، والبلدي، بلدية المحافظة، وأمانة المنطقة الشرقية أكبر!.
عندما تسمح أمانة المنطقة الشرقية بتعدد الوحدات في المبنى الواحد وسط الحي الوحيد المخصص للدور السكنية الخاصة (الفلل) فهي تكرس فكرة (مدينة العمال)، وتفرغها من النطاقات الآمنة التي يمكن للأسر العيش فيها بسلام وطمأنينة. وعندما تسمح ببناء الأدوار الشاهقة (8 أدوار) في منطقة المنح (الدخل المحدود) فهي تحارب محدودي الدخل، وتخنقهم بالأبراج السكنية المكتظة بالعمالة التي أقلقت راحتهم، وهددت أسرهم بالخطر.
يبدو أن المدينة باتت خارج السيطرة فيما يتعلق بالتوسع الإغراقي للوحدات السكنية الصغيرة. لم يعد هناك احترام لأنظمة وزارة الداخلية المرتبطة بتنظيم سكن العزاب في الأحياء السكنية، وبالقرب من مدارس البنات. ولا يظهر في الأفق بوادر أمل لمعالجة الوضع المتدهور منذ أكثر من ستة أعوام.
أصبح الكسب المادي مقدما على ما سواه. زيادة الطلب على الوحدات السكنية، وارتفاع إيجاراتها الشهرية أرغم كثير من (المتحفظين) على تحويل وحداتهم السكنية الاستثمارية المخصصة للعوائل إلى وحدات خاصة للعمال بحثا عن العائد المرتفع والدفع المضمون!. تحولت المدينة الهادئة، إلى مدينة مكتظة، ومنازلها الشعبية البسيطة إلى غرف إيواء تضم بين جدرانها الضيقة مئات العمال في مخالفة صريحة للأنظمة العالمية، والمحلية، وتحولت المزارع الممنوحة من الدولة لغرض التنمية الزراعية، إلى مجمعات إسكان خاصة، في مخالفة صريحة لأنظمة وزارة الزراعة.
تلك الهجمة العمالية الشرسة أدت إلى رفع الإيجارات، وقيم العقارات إلى مستويات عالية، وأصبح المواطن البسيط أكثر المتأثرين بها، والمحترقين بنارها المستعرة. سوء التنظيم أدى إلى زيادة حجم المشكلة، وتقلص الأحياء السكنية الخاصة، وساعد في تغلغل العمالة في جميع الأحياء السكنية. يخيل للمراقب أن الجبيل هي المدينة الوحيدة التي تخلو من أحياء سكنية مخصصة للمنازل العائلية (مخطط فلل) لا يسمح فيها بتعدد الوحدات السكنية، وهو قصور مرتبط بالتنظيم وتنفيذ القوانين الرسمية. السماح بتعدد الوحدات في المخططات المخصصة للدور (الفلل) جعل حلم امتلاك أرض للأسر متوسطة الدخل أمر مستحيلا بسبب الغلاء، أما الباحثون عن الشقق العائلية فيكابدون معضلة الندرة، وغلاء الأسعار.
أمانة الدمام ما زالت مقصرة في تنظيم المدينة، والتقصير يطال بلدية المحافظة، ومجلسيها البلدي والمحلي، وما لم يُعَجل في وضع الحلول الناجعة لتنظيم الأحياء، والمخططات الحديثة فستتحول الجبيل إلى مدينة العمال الأولى في المملكة. الأمانة مطالبة بالتخلص من أنظمتها البيروقراطية المركزية، ومطالبة بالتعامل مع بلدية المحافظة باستقلالية تساعدها في إنجاز المعاملات، واتخاذ القرارات السريعة المتوافقة مع احتياجات المدينة والأنظمة والقوانين. أما بلدية المحافظة فهي مطالبة بإصلاح ما أفسده (الزمن)، والاهتمام بتطوير المدينة، وزيادة معدلات الشفافية، ووقف تضارب المصالح؛ لا بإدارة المخالفات، وتعقيد المعاملات. هي مطالبة أيضا بفتح قنوات اتصال مثمرة مع الهيئة الملكية للجبيل وينبع للاستفادة من خبراتها المدنية، وميزانياتها الضخمة التي يمكن أن تمتد لتنفيذ بعض المشروعات التنموية في مدينة الجبيل؛ ومُطالبة أيضا بتوفير مخططات سكنية جديدة لفك الاختناق، إضافة إلى تأهيل شوارع المدينة، وحدائقها المهملة، وشاطئها الشرقي المهمل، وتشييد الجسور لفك الاختناقات أمام بوابة قاعدة الملك عبدالعزيز البحرية، مدخل شركة حديد الشمالي، إضافة إلى استبدال دوار السفينة بجسر للقضاء على الحوادث والاختناقات المرورية. كيف أمكن لأمانة جدة من التواصل مع الهيئة الملكية للجبيل وينبع، والاستفادة من خبراتها، في الوقت الذي لم يظهر حتى اليوم أي تعاون مثمر بين أمانة الدمام، بلدية الجبيل والهيئة الملكية بالجبيل. تُرى من يتحمل خطأ تلك الجفوة. أعتقد أن الخطأ مشترك، ويتحمله الجميع.
مدينة الجبيل في حاجة إلى إستراتيجية تنموية شاملة وفق رؤية مستقبلية تشترك في وضعها كل من المحافظة، البلدية، المجلس البلدي والمحلي، والهيئة الملكية بالجبيل، شريطة أن تُربط بإستراتيجية الهيئة الملكية المستقبلية التي بدأ العمل في إعادة تشكيلها من جديد، لضمان ردم الفجوة التنموية بين الجبيل الصناعية ومدينة الجبيل. الدولة تبذل الأموال الطائلة لتنفيذ المشروعات، إلا أن قصور الإدارات التنفيذية يؤدي إلى إهدارها بسوء التنفيذ والإدارة.
لا يمكن القبول بتفاوت مستوى التنمية، بين مدينتين متلاصقتين، تخضعان لسلطة إدارية واحدة، لأسباب تنظيمية مرتبطة بجهة الإشراف الخدمي. إشراف الهيئة الملكية للجبيل وينبع على مدينة الجبيل الصناعية جعلها من المدن العالمية المثالية الفريدة، وإشراف إدارات الوزارات الخدمية على مدينة الجبيل جعلها متأخرة كثيرا عن مستوى المدنية الحديثة في الجبيل الصناعية. الحل الوحيد يكمن في دمج المدينتين المتلاصقتين خدميا تحت إشراف الهيئة الملكية للجبيل وينبع، وتوحيد الأنظمة ومعايير البناء والتطوير، وضم الجبيل إلى مشروع التخطيط والتنمية الإستراتيجي الذي تشرف على تنفيذه، ومراقبته الهيئة الملكية للجبيل وينبع.
نتحدث كثيرا عن إيجابيات التنمية، ونتجاهل سلبياتها، وأعظم السلبيات تأثيراتها العكسية على المجتمع المترابط، وأثرها على البيئة وصحة الإنسان، وسيطرة المادة على سكنات المجتمع وحركاته، وتجاهلها لأهم شرائح المجتمع، الشريحة الأشد فقرا. التنمية الصناعية تبغي مراعاة أن ينتج معها تنمية حقيقية للفرد والمجتمع، والبيئة المحيطة.
***
f.albuainain@hotmail.com