شكت إحدى السيدات زوجها للقاضي لقيامه بعضِّها ونهشها بقوة عند حدوث خلاف بينهما! وقد اعتذرت للقاضي عن عرض ذراعها أو طرف ساقها الذي يكسوه اللون الأزرق، وأشارت إلى إصراره على هذا الفعل بحجة أنه توجيه رباني وليس بسبب الغضب.
وبعد الاستماع لأقوال الزوج لم ينكر القيام بهذا العمل بل وبرر فعله أنه اتباع للشرع الحكيم. وأظهر مشاعر الرضا والإحساس بالراحة والهدوء بعد نهشها أو غرز أنيابه!
طلب منه القاضي إيراد ما استند إليه من الكتاب والسنة، فذكر الآية الكريمة {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} (34) سورة النساء.
لاحظ القاضي من قراءة الزوج للآية أنه قرأ كلمة (فَعِضوهُنَّ) بتشديد الضاد مع ضمها أي (فعضُّوهن) فبادر القاضي إلى تصحيح قراءته إلا أنه عاود قراءتها باللفظ نفسه!
دهش القاضي وأدرك سوء فهم الرجل للآية، وأوضح له أن المقصود الوعظ والنصح وليس العض والنهش! ولست أعلم هل ما زال الزوج يمارس فعله تبعاً لفهمه أم أنه توقف؟!
والحق أن ذلك الرجل ليس بدعاً من الخلق! فمثله كثير في سوء الفهم، ومنهم من يخلط بين الضاد والظاء وهو كثير ما يوقع في إشكالات عديدة. والعجيب أن وزارة التربية والتعليم لم تتدارك هذا الخطأ الجسيم الذي يمارسه أغلب المعلمين والمعلمات عند تدريسهم الحروف الهجائية في الصف الأول الابتدائي وما يتلوه من سنوات تعليمية أخرى. وحتى بعض أئمة المساجد أثناء قراءتهم للآيات يخلطون ولا يكترثون بالاختلاف الذي يخل بالمعنى ولا سيما في كلمة (الضالين) حيث ينطقونها (الظالين) كالطاء المعجمة، وهو خطأ جسيم، وفرق كبير بين الضلال والظِلال!
وإن المرء ليحار من فهم بعض الناس الحقيقي للنصوص سواء في الخطأ عند قراءتها أو الزلل الأكبر في فهمها، وكثيراً ما يقود هذا إلى خطأ في التفسير. ومن ذلك ما ورد في سورة مريم{فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى? وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كالأُنثَى}? فالتفسير المتعارف عليه للنص هو أن الذكر أفضل من الأنثى على الإطلاق، بينما الفهم الحقيقي للنص هو أن امرأة عمران نذرت ما في بطنها محرراً لخدمة بيت المقدس، وكان الاعتقاد السائد والمتعارف عليه بين الناس آنذاك أن الخدمة مخصصة للذكور دون الإناث من خلال التوزيع الطبيعي للمهمات بين الذكور والإناث بسبب التكوين الفسيولوجي للأنثى الذي بزعمهم لا يتناسب والقيام بهذه الخدمة؛ فقد تفاجأت وحزنت على جنس الطفل، ولكن الله قد رزقها بأنثى لأمر يعلمه هو سبحانه، وحكمة يدركها العزيز الحكيم، فالغيب أعمق غوراً من فهم البشر، فكانت المفاجأة من خلال هذه الآية الكريمة {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا}ليؤكد عز وجل أن الأنثى لها أيضاً دور عظيم في الدعوة والبناء وإقامة المجتمعات، بل وولادة الأنبياء من دون ذكر!
وما بين المكانة العظيمة للسيدة مريم عند ربها، وبين عض ذلك الرجل لزوجته، يبقى البون شاسعاً في التعاطي مع فهم النصوص، ولا عزاء للمعضوضات!
rogaia143 @hotmail.Com
ص.ب: 260564 - الرياض: 11342