تختلف الأفهام في مدلول كلمة الإعلام السعودي مما أدى إلى الاضطراب وذلك أن هذه الكلمة قد تطلق على الوسائل الإعلامية الرسمية فقط، وقد يراد بها ما ينطلق من هذه البلاد وحصل على إذن رسمي بمزاولته للعمل، وقد ..
... يراد به جميع الوسائل التابعة للمواطنين السعوديين، وهذا ما يجعل كثيراً من الناس خصوصاً في البلدان الأخرى ينسبون ما يعرض في هذه الوسائل إلى المجتمع السعودي بل إلى الدولة، ومن هنا فإن كثيراً من المسلمين يجعلون تقييمهم للوضع السعودي مبنياً على هذه الوسائل سواء في السلوكيات أو العقائد أو المواقف السياسية أو غير ذلك، مما يخشى معه من وجود صورة نمطية سلبية عن هذه البلاد وأهلها إذ إن تعميم الأخطاء ووصف المجتمع من خلال فعل بعض الشواذ فيه لا شك أنه سيورث مثل هذه الصورة غير المرغوب فيها.
إن تجرد هذه الوسائل لتحقيق المكاسب المادية من دون النظر في المفاسد المترتبة على ما تنشره ينبغي أن يكون محل وقفة من كل عاقل وخصوصاً أصحاب المسؤوليات، وأوضح هذه بعددٍ من الأمثلة، أولها : القنوات الداعية إلى استباحة الدماء واستحلال القتل والتدمير والخروج على الولاة وتكفير الأشخاص والفرق والدول وجعل إحداث الفوضى في تلك البلدان نوعاً من أنواع الطاعة يجب أن يكون لنا وقفة حازمة تجاه ذلك، لأن الإعلام السعودي أياً كان لا بد أن يسعى إلى استقرار العالم، ومن الأمثلة على ذلك البرامج التي تؤدي إلى نزاع أفراد المجتمع بعضهم مع بعض ومحاولة تفتيت الوحدة الوطنية بالقنوات الإقليمية أو الطائفية أو تخاصم الأزواج أو تفكيك الأسرة مما لا يصح أن نقف معه موقف المتفرج بل يجب توجيه هذه الوسائل للمساهمة في المحافظة على الأسرة وزرع المحبة والوئام بين أفراد المجتمع وخصوصاً من يكون بينهم روابط خاصة كالأقارب والجيران فمثلاً تلك القنوات التي تسعى إلى نشر أرقام هواتف المشاهدين لإيجاد علاقات خارج النطاق المشروع تكون سبباً في الابتزاز وإفساد البيت بتزهيد الأزواج في بعضهما لا يمكن أن تكون محل رضا من أي عاقل أو غيور، ولا يمكن أن تكون صورة مشرفة عن الشعب السعودي.
والمثال الثالث ما يوجد في بعض هذه الوسائل الإعلامية من زرع الوساوس والشكوك والاضطرابات النفسية مما يؤدي إلى تخاذل الناس عن أداء واجباتهم وما يناط بهم من أعمال ومهام.
إن تعدد وسائل أخذ المعلومات عند أفراد المجتمع يحتم علينا جميعاً أن نبذل قصارى ما نستطيع من أجل استجلاب النافع من ذلك وتعويد الأفراد على استثماره كما يحتم علينا الوقوف في وجه الضار منها من خلال رصده ومعالجته وإيجاد البديل الناجح المفيد، فما أشد حاجتنا إلى إيجاد القدرات الذاتية للتفريق بين النافع والضار.
كما يجب أن تعود هذه البلاد ومواطنوها إلى أن يكونوا مصدراً للمعلومة الموثوقة النافعة التي يطمئن إليها المتلقي وأن نكون من أسباب نشر الفضيلة، فنحن اليوم في أمس ما نكون لإيجاد قدوات صالحة للمجتمعات المسلمة يحتذى بها في الأفعال الطيبة والأخلاق الحسنة ونحن نحتاج إلى من يحذرنا من التصرفات السيئة.
فمثلاً كم عدد البرامج التي تحذر من الرشوة أخذاً وعطاءً؟، وما الجهود الإعلامية المبذولة في تحفيز الموظفين لأداء أعمالهم وإنجازها على أتم الوجوه؟ وماذا فعلت هذه الوسائل تجاه الدعوات المضللة؟ وما دورها في تعزيز الوحدة الوطنية المنطلقة من التوجيهات الإلهية باجتماع الناس وتعاونهم على الخير؟
أسئلة نحتاج معها إلى وقفات جادة مع النفس.
(*) عضو هيئة كبار العلماء