أن تكون ضد الإسلام السياسي، أو الإسلام الحزبي، أو الإسلام الحركي، أو الإسلام الثوري - لا فرق - لا يعني ألبتة أنك ضد الإسلام كدين. وعندما تبارك أو تصفق لانتصار أربع نساء كنواب في برلمان الكويت، وتعتبر أن هذا الانتصار - كمؤشر - يؤكد أن ظاهرة الإسلام المسيس قد انحسرت فأنت تنتقد حركة، أو أشخاصا، أو توجها، أو تيارا سياسيا، وهذه الحركة أو المتذرعون بها، ليسوا بالضرورة هم الإسلام.
هذه نقطة جوهرية يجب ألا تغيب عند قراءة هذه الظاهرة
ولا أظن أن هناك محللا موضوعيا سيغيب عنه أن (الإسلام الحزبي) الذي خسر في الكويت مؤخراً كان يستمد من الدين ومن بعض مفاهيمه ذرائع سياسية للوصول إلى هدف سياسي. الإسلام السياسي بمفهومه الواسع هو توجه سياسي ضمن توجهات، أن نعتبر من ينتقده، أو يختلف معه يختلف مع دين الإسلام هو ضربٌ من ضروب (التكفير)؛ فالذي يختلف مع الإسلام كدين معنى ذلك أنه خلع ربقة الإسلام من عنقه بالضرورة؛ وأن تختلف مع أشخاص، أو توجهات، أو مع قراءتهم للنصوص، أو تفسيراتهم لها، أو تنزيلهم لمقتضياتها حسب متطلبات أهدافهم على بعض القضايا الحياتية، فأنت تختلف مع توجهات أو أشخاص؛ اختلافك معهم يدخل ضمن مقولة الإمام الشافعي - رحمه الله - الشهيرة: (رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب).
والذي يجب ألا يغيب عن رؤيتنا هنا أن من سقط في الكويت هم أفراد، كانوا يرفعون شعار الإسلام سياسياً؛ وبقي الإسلام (كدين) وكذلك كهوية قوياً راسخاً في نفوس الكويتيين. ولم يكن سقوط الإسلام الحزبي في الكويت، أو بلغة أدق: انحساره، غير مبرر، وإنما كان يؤكد أن العبرة دائماً وأبداً بالتطبيق وليس الشعارات. قد تخدع الناس مرة أو مرتين بشعاراتك الخلابة، ولكن لا يمكن أن تخدعهم دائماً. الأزمات السياسية التي عصفت بالحكومة السابقة كان سببها في الدرجة الأولى التيار الإسلاموي. انصرف النواب الإسلامويون إلى مناصرة (الأيديولوجيا) وتركوا الإنسان، والتنمية، وأصبح الحوار تحت قبة مجلس الأمة أشبه ما يكون بحوار الطرشان؛ فتنبه الناخب الكويتي إلى أن الشعار شيء، والتطبيق شيء آخر، فأسقطهم.
النقطة الثانية والتي اعتبرها البعض في مقالي آنف الذكر مساساً بالثوابت، احتفائي بفوز أربع نساء بمقاعد برلمانية.
من منظور إسلامي لا أعتقد أن هناك من المهتمين بهذه الشؤون - بما فيهم التيار الإسلاموي المتشدد - من يخفى عليه أن قضية السماح للمرأة بالتصويت والترشح قضية خلافية؛ هناك من يراها جائزة، وهناك من يراها محرمة. القاعدة الأصولية الفقهية تقول: (حكم الحاكم يرفع الخلاف). الحاكم أو بلغة أدق: صاحب الشأن في الترجيح بين الخيارات المتاحة هو أمير الكويت، وقد (أقر) السماح للمرأة بالترشح كما هو معروف، لتصبح القضية محل الخلاف في النتيجة نافذة على الجميع، من وافق ومن خالف لا فرق، ولا يجوز بالتالي مخالفتها حسب مقتضيات الشريعة نفسها. والسؤال: أين المساس بالثوابت في ذلك؟ والسؤال الآخر والأهم والذي بودي لو أن إسلامويي الكويت يجيبون عليه: من الذي أخل بالثوابت من وافق الحاكم أم من تمرد عليه وعلى اختياراته، فرفض حقه في السماح للمرأة في الترشح والانتخاب؟
كل ما أريد أن أقوله هنا إننا يجب أن نفرق، ولا نخلط، بين الدين ومن يوظفون الدين لخدمة أهدافهم ومصالحهم السياسية؛ ليس أكثر. إلى اللقاء.