Al Jazirah NewsPaper Wednesday  20/05/2009 G Issue 13383
الاربعاء 25 جمادى الأول 1430   العدد  13383
هتفٌ نازف
د. عبد الله بن سعد العبيد

 

...تائهٌ أنا أبحث عنها في كل بقاع الدنيا وأصقاعها، صوره رسمها خيالٌ فتي في زمن الجماد والجمود، أتجول هنا وهناك ممنيّاً نفساً يانعة بلقاء، لقاء الخيال الذي يتخطى حسابات البشر الزمنية، حاملاً دمعة وومضة وخفقة ونفساً ورجاء، أُفتش عنها بين ركود الأشجار وسواد الدخان وتوالي الأيام.

جامدةٌ هي الحياة، راكدة، لا طعم لها ولا رائحة. صورة نسجها خيال مريض في واقع سليم مليء بالضجيج، فلا هي موجودة ولا أمل يرتجى بلقاء المفقودة، فدمعتي هي دمعتي وابتسامتي هي ابتسامتي وخيالي هو خيالي. حلمٌ يزهو بالألم ويتلون بالآه، وزمنٌ لا يرحم، زمن يركض بي نحو المجهول ولا أعلم. هل مر بي ساعة أم أكثر. أهي ساعة أم يوم أم سنة أم أكثر. عمري وقود الزمن وأنفاسي عجلاته وهو يركض بي بلا أمل. ويستمر التيه ويزداد الألم.

قاسٍ هو الزمن، ساعته لا تتوقف، دقائقها تمر بلا تعب، تعبث بقلبي الطفل وخيالي العذري. ناشدته أن يتوقف، توسلته أن يهدأ فكفاه بي سخرية وعبثاً وعذاباً وألماً. كلما توقف ثار من جديد وهاج بركانه ليأخذني إلى لوعة الألم وغيوم الشفق وجمود البشر.

جرحٌ غائر لا يندمل، ونزيف هائل لا يرقأ وزمن غابر لا يهدأ وساعةٌ هائجة لا تتعب وحلم ورديٌ لا يجمد وخيالٌ عذري لا يتحقق.

أنا ذلك الإنسان الذي لن يهدأ مهما ترنح، ولن يتوقف مهما امتلأت جوانبي الآهات وزفت دروبي الآلام. أنا غريبٌ في عالم تائه أو تائهٌ في عالم غريب، فلم تعد الغربة موحشة طالما استوطنها تيهي وسكنها عالمي، فالغربة موطني والألم مرقدي.

الصورة ليست هي الصورة، والحب ليس هو الحب، المكان تغير والزمن تبعثر فلا أنا هو أنا ولا الخيال هو الحياة. أنا هاربٌ من حلم الطبيعة، متمردٌ يتلاطمني موج الحياة، عاشقٌ يتخبطني الأمل دون مرتجى. لا بأس أيتها النفس، سأقمع حلمي وأحبس خيالي، سأريحك من الركض والجري بين الأمواج والآفاق، سأجعلك تتوقفين عن تصور الأهوال ولسع الأضواء، سأختفي بك بعيداً عن كل تلك الآلام، سأتوقف بك عن نسج تلك الخيالات وضرب وجدانك بالأسواط.

لك أن تسعدي أيتها النفس الشقية، فلن تموتي إن لم يعطر دربك حبٌ ضائع ولن يضيرك أن تعيشي بلا هدف واضح ولن يتحقق الحلم إن استمر جرحك غائرا ونزيفك هائلا. ولن يتوقف الزمن ولن تهدأ ساعته. فلكلٍ مكتوبٌ وأجل...

حمداً لك ربي، فما أردت لي إلا الخير...



dr.aobaid@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد