الحراك العالمي ضد الأزمة الاقتصادية الذي نعايشه منذ قرابة عام ونصف العام لم يفصح عن عيوب هيكلية بأنظمة وقوانين تسببت بوقوع الأزمة وحسب، بل أيضاً أبرزت صلابة المصطلحات الاقتصادية بشكل كان من الصعب أن يتم التعويل عليها لشرح الحالة الاقتصادية المتأزمة وطرق علاجها وإيصال الرسالة للعموم بشكل يقرب فهم الأزمة لهم ومدى خطورتها فكان لا بد من الاستعانة بمصطلحات أحد العلوم لكي تكون الدقة عالية بتوصيفها وضمان استيعاب الجميع لفداحتها فلم يجد المعنيون أفضل من مصطلحات الطب لاستخدامها بذلك فالحالة أصلاً مرضية وبالتالي يكون لهذه التعابير سهولة أكبر لوصولها وفهمها للمتلقين.. وإذا كانت كلمة أزمة تعبيراً مجازياً يُطلق على العديد من المنغصات التي تواجهنا بالحياة إلا أن ارتباطها بالكثير من الأمراض جعل منها مصطلحاً طبياً.. فهناك أزمة قلبية وتنفسية وعصبية وغيرها فسُميت المشكلة بأنها أزمة لإعطائها طابعاً نفسياً بأنها مؤقتة بينما كنا نسمع كلمة تشخيص ببداية الأزمة في محاولة لفهم مراحل تطور المشكلة وفهم الأسباب التي أوصلتنا لها حتى يوصف الحل الذي تردد كمصطلح باسم علاج الأزمة باستعانة واضحة لما نسمعه من الأطباء دائماً.. وبدأت المسألة تتطور إلى عملية علاج جراحي للمؤسسات المالية وأسواق المال لتخليصها من الأنظمة والقوانين والمنتجات المالية التي سهَّلت نشوء المشكلة.. ثم انتقلنا إلى أوصاف صيدلانية أكثر دقة مثل ربط الأصول الضعيفة بمسمى الأصول السامة في إشارة واضحة إلى تطوير فهم مشكلة تضخمها السعري بأنها سامة وبالتالي جسد المؤسسات المالية لا يبرأ ولا يشفى إلا بتخليصه من السموم القاتلة التي أودت بحياة ليمان براذرز وغيره فجاء مصطلح الترياق كعلاج معروف للسموم وقصد به ضخ السيولة بالدرجة الأولى لخلق استقرار بالحالة الصحية للبنوك والمؤسسات المالية.. وهذه توصيفات نسمعها حول الحالة المرضية الحرجة عندما تبدأ بالاستقرار ووصفت المشتقات المالية بالوباء العالمي.. وهذه العبارة ترددها منظمة الصحة العالمية عند انتشار أمراض جرثومية معدية كالسارس وإنفلونزا الطيور والخنازير مؤخراً.. وأخيراً ظهر لنا مصطلح انتشر بشكل كبير وهو فحص الجهد، وهو مستخدم لمرضى القلب والأوعية الدموية والشرايين لمعرفة قدراتهم على ممارسة الأنشطة.. وما الدواء الذي يحتاجونه أو الإجراء الجراحي إذا استلزم الأمر أو معرفة فشل القدرة على الإنقاذ مما يعني النعي المبكر للمريض.. وبالتالي ضرورة التخلص منه بدفنه وتوزيع التركة على بقية إخوانه من المرضى الأكثر صحة منه.. كما نشهد اليوم من بيع لوحدات متبقية للمؤسسات المالية في محاولة للملمة المشكلة التي خلفها إرثه العليل.
في حقيقة الأمر لو دققنا كثيراً لوجدنا أن هذه الأزمة انبرى لها الطب بمصطلحاته حتى يصف خطواتها بعبارات أكثر تداولاً لدى العامة وحتى خطة الإنقاذ من الوباء ما هي إلا أحد طرق العمل التي تضعها المنظمات الطبية لعلاج الأمراض الوبائية إلا أن الجانب الآخر الذي جعل من الطب مشاركاً رئيساً بخطوات العمل لمواجهة الأزمة هو الاستعانة بفرعه النفسي.. فمثل هذه المصطلحات تعطي أثراً أكثر راحة للناس لأنهم يعرفونها جيداً وأنها تجعلهم أكثر قدرة على تقدير أفضل لتصرفاتهم وردود أفعالهم فجزء كبير من الأزمة خلقته عوامل نفسية.. وبالتالي الحل يأتي من السيطرة على نفسيات البشر حتى يكونوا عاملاً مساعداً للحل لأن تطور الأزمات يقع ثلثاه على عاتق المزاج النفسي لهم.. فحالة الهلع التي تصيب المتعاملين بأسواق المال والمواطنين بانكماش الإنفاق لديهم تؤدي إلى فلتان زمام الأمور واستعصاء الحلول إلا بعد فترات زمنية أطول وبنتائج كارثية وخيمة فكان الحل اعتبار هذه الأزمة مرضاً وبائياً لا بد من تدخل طبي للمساندة بعلاجه.