إما أن يجهل بعض المحللين فن التحليل، والتوقع المستقبلي للسوق، أو أنهم غير محايدين في إطروحاتهم التحليلية، وفي الحالتين يمكن أن تطالهم إدانة المتضررين. قبل التوسع، نشيد ببعض المحللين الناصحين ممن نحترم رؤيتهم الفنية، وإن خالفت السوق بعض جُزئياتها، فالعبرة في مجمل التحليل، ومعايير النزاهة، ونسبة التطابق، لا بوجود الانحراف النسبي المتوقع حدوثه لدى الجميع. قال تعالى في محكم كتابه الكريم (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ)؛ فلا يعلم الغيب إلا الله، ولو علم هؤلاء بمستقبل السوق لما سبقهم عليها أحد، ولكانوا من الأغنياء، وكبار المضاربين لا المحللين فحسب.
يتفاءل المتداولون ومشاهدو المحطات الفضائية، وقراء الصحف في درجات بعض المحللين الأكاديمية، ويعتقدون أنها قادرة على خلق التميز، وتحقيق الرؤية الثاقبة، وهو اعتقاد لا يرقى إلى مستوى الصحة المطلقة.
هناك من نجح في اكتساب الخبرة الميدانية من المحللين النابغين الذين تفوقوا في رؤاهم الفنية على كثير من الأكاديميين، والمتخصصين في الأسواق المالية.
السوق لا تُدار بعقول أكاديمية، بل بعقول تجارية صرفة، تتشابه في بعض جوانبها بإدارة أسواق العقار والأسواق التجارية الأخرى. لذا من الأجدى التعامل معها وفق عقلية المتداولين، المستثمرين، وصناعها الحقيقيين، لا وفق التنظير الأكاديمي الذي تنقص معتنقيه الخبرة، والجرأة والإقدام. هذا لا يعني الاستهانة بصناع السوق، وكبار المضاربين، بل هو اعتراف مبطن بقدرة هؤلاء، على توجيه السوق وفق رغباتهم، واعتماداً على خبراتهم الميدانية التي تفوقت في مجملها على رؤية بعض الأكاديميين التنظيرية!.
أحد المحللين الأكاديمين، وفي كل إطلالة إعلامية لا يتوانى عن ترديد جملة (إن لم تتراجع السوق في الغد فستتراجع في اليوم الذي يليه)! وخلال الشهرين الماضيين لم يجد (سبباً منطقياً لارتفاعها المتواصل) إلا (التدوير)!.
استمر على قناعاته البائسة، واستمرت السوق في مخالفة توقعاته، ونجحت في الصمود وتحقيق النمو. تحرك المؤشر من 4348.26 مع بداية مارس، حتى أغلق عند 6044.78 بنهاية تداولات الأربعاء الماضي، وهو أعلى اقفال له منذ نوفمبر 2008.
الغريب أن إغلاقات المؤشر الأسبوعية كانت تسجل نمواً مطرداً يبعث على التفاؤل لا التشاؤم الممقوت!.
أضافت السوق أكثر من 1600 نقطة إلى رصيدها المبارك، وكثير من المتداولين ينتظرون (التراجع) المؤلم الذي بَشَّرَ به بعض المتشائمين، علهم يقتصون أسهمهم المنتقاة بأسعار بخسة.
على الجانب الآخر، يصدع بعض الهواة في بعض المحطات الفضائية، والإذاعات بسمفونيات (التحليل المقتبس) حيناً، وبنشاز رؤاهم الفنية أحياناً أخرى، وهي رؤى تعتمد في الأصل على الحشو المشوش والتجميع غير المنضبط. عادة ما يستغل بعض خبثاء السوق هؤلاء الهواة لتمرير رسائل تحليلية موجهة لتحقيق أهدافهم الخاصة.
بعيداً عن (لغو التحليل) فالسوق السعودية في حاجة ماسة لمؤسسات مالية موثوقة تقدم التقارير اليومية، الأسبوعية والشهرية للمهتمين، قادرة على خلق التميز، وسد حاجات المتداولين؛ وتحتاج أيضاً إلى مراقبة دقيقة من جهات الاختصاص لمحاسبة كل من يتسبب في خسارة الآخرين، أو يحرمهم من اقتناص الفرص المتاحة.
فلسفة (الفضاء المفتوح) يجب أن تتغير لمصلحة السوق السعودية، ولضمان تحقيق النزاهة. لا نطالب بتكميم الأفواه، بل بتقديم ما فيه الخير للسوق والمتداولين.
العبرة في نوعية الرسائل الإعلامية، لا في حجمها الإغراقي.
يمكن للمراقبين مراجعة رسائل غالبية محللي السوق السعودية للفترة الماضية ومطابقتها مع أداء السوق لمعرفة حقيقة جودة الرسائل التحليلية وكفاءة مُصدريها. لن نبالغ إذا ما قلنا إن أقل من 20 في المائة من مجمل الرسائل التحليلية نجحت في تقديم القراءة الصحيحة للسوق السعودية، أما الـ80 في المائة الباقية، فكانت كغثاء السيل، أو كسراب يحسبه الظمآن ماء!.
f.albuainain@hotmail.com