يدافع كثير من السعوديين بحرارة عن مستوى طلابنا في الرياضيات وأن ما يقدم في مناهجنا من مادة علمية على مستوى الرياضيات كثير جدا ومتميز بدليل أن طلابنا يتفوقون في مادة الرياضيات (مقارنة بمواد أخرى كاللغات) حين ينتقلون إلى أنظمة تعليمية أخرى والمشكلة هي في المعلمين أو طرق العرض داخل المناهج!!
أياً كانت الأسباب فمن الواضح أن هناك مشكلة يتحتم مواجهتها فالسعودية حققت في امتحانات القياسات العالمية في الرياضيات التي أجريت على طلاب وطالبات التعليم العام للعام 2007 (طلاب من السنة الرابعة ابتدائي ومن السنة الثانية متوسط) مراكز متدنية جدا في كل من المهارات الرياضية والعلمية (Math and Science) وحققنا بجدارة محزنة المركز 53 من بين 56 بلدا مشاركا كما حققنا المركز 62 بين 63 بلدا شاركت في امتحانات العلوم العالمية. وتبع ذلك أن 90% من طلاب الجامعات السعودية الذين هم خريجون لهذا التعليم يعانون ضعفا هائلا في قدراتهم الرياضية حسب الدراسات التي أجرتها إحدى دور الدراسات المشهورة خلال العام 2008!!
أن ضعف مهارات العلوم والرياضيات لا يعني غياب مفاهيم الأرقام والحقائق المتعلقة بالظواهر الطبيعية عن أذهان المتعلمين أو ضالة قدرتهم على إتمام عمليات رياضية وحسابية بسيطة بل يعني غياب لمهارات عقلية ومنطقية أكثر تعقيدا يدخل فيها المنطق والنظر إلى المشكلات وتصور حلولها ضمن طرق منهجية وعلمية باستخدام مهارات عقلية متقدمة والتي حقق أطفال الصف الرابع من سنغافورة ويليهم طلاب هونج كونج لنفس الصف أعلى المعدلات بل وفاقوا المعدلات العالمية!!
وتعتمد هذه القياسات (TIMSS) (International Mathematical and Science Assessments) على محكات عالمية تطبق على كافة الطلاب المشاركين لمعرفة مدى قدرتهم على استيعاب وتطبيق المفاهيم الرياضية وأساليب التفكير المنطقي والتي حققت سنغافورة وهونك كونك كما قد نتوقع المراكز الأولى تبعهم في ذلك الصينيون وتايبية وبعهدهم جاء اليبانيون (لدهشتنا) ثم طلاب كزاخستان ثم بعدهم (وأيضا يالدهشة) الإنجليز!!
لكن في امتحانات العلوم حققت سنغافورة المراكز الأولى وبعدها الصين ثم هونج كونك واليابان وبعدهم جاءت كل من انجلترا والولايات المتحدة.
هناك شيء ما يجري داخل هذا العالم الشرقي الآسيوي يجعلهم يعرفون بالضبط ماذا يريدون من تعليمهم وبذا فلا عجب أن تم اختيار البرفيسور تشي تشاون فونج من سنغافورة ليرأس جامعة الملك عبدالله في حين فشلنا هنا فشلا ذريعا في تحقيق حتى الحد الأدنى من إكساب الطلاب أي من المهارات التي لن يجدوا عملا في القرن الواحد والعشرين من غيرها والسؤال لماذا ولماذا؟؟؟؟ سؤال بحجم الخيبة التي تضرب وجه كل أب وصانع للقرار في هذا البلد.
عوامل عديدة وجد الباحثون أنها ذات علاقة بالتفوق في هذه المجالات كما حددها التقرير المذكور فقد أظهرت نتائج المتابعة أن الطلاب الذين يتحدثون لغة علمية ورياضية في المنزل ومع والديهم هم الأكثر تفوقا في الرياضيات والعلوم وأولئك الذين تتواجد لديهم كتب في المنزل ويتميز والديهم بارتفاع المستوى الدراسي لديهم الاستعداد أكثر. الكومبيوتر وقدرة الطالب على استخدامه في البيت والمدرسة وما إذا كان موصولا بانترنت أم كان أحد العوامل الأساسية في ارتفاع مستوى الطلاب في المهارات الرياضية والعلمية.
العوامل المدرسية كان لها علاقة كبيرة بتفوق الطلاب فقد وجدت علاقة سالبة بين وصول الطالب متأخرا للمدرسة وتفوقه في الرياضيات فكلما تأخر في الوصول إلى المدرسة ساهم ذلك في فقده بعض الوقت الصباحي الثمين كما أن مشكلات مثل الغياب والانقطاع وعدم تفاعل الأهالي مع المدرسة كلها عوامل سالبة تؤثر في القدرات الرياضية للطلاب.
كذلك كان من أهم العوامل الداعمة للمهارات الرياضية والعلمية والمنطقية هي مقدر الوقت المخصص لها في الجداول الدراسية في هذه المرحلة فقد وجد أن المتوسط العالمي لعدد الحصص الأسبوعية في الصف الرابع بلغ أربعا وعشرين حصة خصص منها 16% للرياضيات كمحتوى وأكثر من ذلك كتمارين ومثل ذلك كان الأمر بالنسبة للعلوم وعلينا أن نفكر كيف يقضي طلابنا وقتهم كل يوم وما هي نسبة المواد الرياضية والعلمية والمنطقية التي تقدم لهم خلال اليوم والأسبوع مقارنة بالدول الأخرى هذا عدا عن مستوى إعداد المعلمين في مواد التخصص والوسائل المتوافرة لهم وطرق التدريس التي يعتمدونها في نقل المفاهيم الرياضية والعلمية والتي وجد أن لها أيضا علاقة مباشرة بالنجاح في هذه المواد فقد وجد أن المدارس على مستوى العالم والتي توافرت فيها إمكانات ومصادر تعليمية هي الأقدر من حيث الطلاب في هذه المهارات. كما أننا نتنتع دون غيرنا من العالم بالغرق حتى حدود التيبس والانكماش في ما يتعلق بأساليب التقويم وطرق احتساب درجات الرياضات والعلوم مقارنة بمواد أخرى يعتبرها النظام التعليمي أكثر أهمية مثل اللغة العربية والمواد الدينية.
لا أظن أن أحدا يختلف على فكرة ضعف هذا التعليم وهزاله المشين والسؤال هو أين هي مكامن الخلل؟ وهل توجد الدراسات المحلية وليس فقط العالمية التي تساعدنا على معرفة هذا الخلل؟ وهل هناك من توجه تدعمه المؤسسات الرسمية للتعرف على المشكلات الحقيقية لا (الرسمية والصحفية) التي يعاني منها نظام التعليم؟؟
هل يمتلك الباحثون الحريات العلمية التي تمكنهم من البحث دون وضع المحظورات التي قيدت هذا التعليم للعشرين سنة الماضية في أذهانهم قبل البدء بالدراسة؟ وهل سيكون لديهم القدرة على الوصول للمعلومات والوثائق المدرسية والرسمية التي تمكنهم من تتبع المشكلات الفعلية وليس الظاهرية وتحديد مصادر ضعفها دون الركون والخوف من العوامل السياسية أو الأيدلوجية أو القبلية والأسرية ذات العلاقة بمن هم في المواقع المهمة من النظام نفسه بغية عدم إحراجهم أو خسارتهم أو هي عوامل ذاتية يدخل من جملتها ترقب المصالح الخاصة للباحث أو الموقع والمنصب الذي يأمل في الوصول إليه؟؟
أتمنى أن يمنى تعليمنا العام بلوثة عقلية تجبر العاملين فيه على الصراخ من داخل أسوارهم والركض في شوارع الحقيقة ليراهم المجتمع كما خلقهم وحددهم هذا التعليم... ضعاف هزال بهزال هيكله ومحتواه والكتاب الذي سنتحدث عنه الأسبوع القادم هو أحد محاولات الجنون التي ركض بها بعض العاملين في هذا التعليم عراة إلا من الحقيقة الصادمة كما عرضها كتابهم المجنون!!