Al Jazirah NewsPaper Wednesday  13/05/2009 G Issue 13376
الاربعاء 18 جمادى الأول 1430   العدد  13376

دفق قلم
يهود الشتات واللغة الموحَّدة
عبد الرحمن بن صالح العشماوي

 

قالت: سألني أخي الصغير عن الوطن الأصلي لهؤلاء اليهود الموجودين في فلسطين، فأجبته بأنهم جاؤوا من دولٍ شتى وبلادٍ متفرِّقة، وليس لهم وطن موحَّد، فمنهم من جاء من روسيا، ومنهم من جاء من أوروبا وأمريكا، ومن غيرها من دول العالم، وبعضهم من شراذم اليهود الموجودين في بعض الدول العربية، تجمَّعوا في فلسطين بوعدٍ مشؤوم من الرجل البريطاني (بلفور) الذي استغل نفوذ دولته بريطانيا في الشام ووصايتها (الاستعمارية) على فلسطين، فمنح لهم فرصتهم الثمينة على حساب أصحاب الحق الذين قُتلوا وشُرِّدوا وصُودرت أملاكهم، وأُضيعت حقوقهم، قالت: فسألني أخي سؤالاً مفاجئاً لم أكن أتوقعه قائلاً: كيف يكونون مفرَّقين وليس لهم وطن واحد مع أنَّ لغتهم واحدة؟ هل كانوا يتكلمون بلغتهم في البلاد التي كانوا متفرِّقين فيها، ولم أستطع أن أجد لسؤاله في لحظتها جواباً مقنعاً، ولكنني قلت له: لا بد أنَّهم تعلموا اللغة العبرية بعد أن جاؤوا إلى فلسطين، وشعرت أن أخي قد اقتنع بالجواب، وظللت أنا بعده أسأل نفسي قائلة: صدق أخي.. يا ترى هل جميع اليهود في فلسطين يتكلمون العبريَّة؟ سؤال أوجِّهه إليك فهل لديك من جواب؟.

قلت لها: لقد أصبت في جوابك عن سؤال أخيك، وإنما يحتاج الأمر إلى شيء من التفصيل، فمن المعلوم أن اليهود الذين يغتصبون فلسطين، ويحتلّون أرضها هم أشتاتٌ من بلادٍ مختلفة، وحينما بدأت المؤامرة اليهودية تُحاك لتوطين اليهود في أرض الإسراء والمعراج، بدأت وفود اليهود تتجه إلى فلسطين بالتنسيق مع الاستعمار البريطاني، وكانوا يأتون بلغاتٍ مختلفة بحسب البلاد التي يأتون منها، ولكنَّ منظِّريهم ومفكِّريهم رؤوا أن هذه الألسنة اليهودية المختلفة ستحول دون وجود وحدة سياسية قوية يتمكَّن بها اليهود من إقامة دولتهم في فلسطين، فبدأت حملة قويَّة منذ عام 1920م وما قبلها بقليل لتعليم شراذم اليهود في فلسطين اللغة العبرية، وكان من أبرز من نادى إلى ذلك ونفَّذه الروائي اليهودي (سميلانسكي) الذي نادى اليهود في فلسطين إلى تعلُّم العبرية إن كانوا حريصين على إقامة دولة يهودية موحَّدة قويَّة، وأُقيمت مراكز متعددة بهمَّةٍ ونشاط وحرص لهذا لغرض الحضاري الكبير، وما قامت دولة اليهود الغاشمة عام 1948م إلا وجميع أعضاء حكومتها يتكلمون العبرية، وقد أعلنت الدولة اعتماد هذه اللغة لغة رسمية للبلاد.

إنَّ اليهود -أيتها الأخت الكريمة- بهذه الخطوة المهمَّة قد أصابوا كبد الحقيقة، وعرفوا كيف يحرصون على عامل مهم من عوامل قوَّة الدول وبنائها ألا وهو عامل وحدة اللغة لما له من تأثير كبير في وحدة الفكر والثقافة والمعتقد، ولما له من دور كبير في تكامل شخصية الدولة وانسجامها.

إشارة

بحر الحياةِ تلاطمتْ أمواجه

فمتى تصون رمالَها الشطآنُ


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد