Al Jazirah NewsPaper Wednesday  13/05/2009 G Issue 13376
الاربعاء 18 جمادى الأول 1430   العدد  13376
الاشرعة
مقهى.. أو كوفي شوب!!
ميسون ابو بكر

 

المقهى كما يقول عنه محمد العباس ليس مجرد فسحة ترفيهية بل بيت ووطن.. هذا المكان الذي استعاد مكانته ووجوده وحميميته في الآونة الأخيرة ولكن بصيغة جديدة وأسماء مستوردة ووجه آخر لم ينج من إيقاع العصر ولوثته.

هذا الركن الحميمي من الحياة كان في الماضي يشكّل عالماً قائماً بحد ذاته وملمحاً خاصاً لمحيطه وبيئته.. فمقهى الحارة ومقهى البحر ومقهى المدينة والمقاهي نقاط عبور وملاجئ مؤقتة لوجوه لا تلبث أن ترحل وتتبدل على الدوام.

للمقهى نكهة الحكايا والأساطير وأنفاس مرتاديها وأخبارهم وملامح اغترابهم.. له بهجة لقائهم وخصوصية عزلتهم أيضاً.

المقهى ملتقى ثقافة وسياسة.. ودكان حكايا.. وعكاظية للشعر.. المقهى غريزة كما يقول الدكتور مالك المطلبي، وطقس حياتي ووجودي وحضوري لمرتاديه من أهل الأدب والثقافة والفكر وساكنيه إن صح التعبير؛ حيث تغادر أجسادهم وتبقى أرواحهم.

ظل مقهى أبو شفيق جزءاً لا يتجزأ من حياة الماغوط ووحياً لإبداعه، حتى بعد أن جفّ نهر بردى وأقفل المقهى.. بقي نادله وفياً لهذا الزبون الذي كان يرتاده ليستعير ما ترك فيه منه، فيفتح النادل المقهى ويعمل على خدمته بينما يجلس الماغوط في ركنه المعتاد يستعير من المكان قصائده.. ومن الجدران أنفاس مَن مرّوا وبقيت أرواحهم واعدة بعودتهم.

المقهى ارتباط مكاني وروحي بمرتاديه، له رائحة الشعر والأدب والثقافة كما رائحة القهوة التي صار لها اليوم أسماؤها وألوانها وأجناس مختلفة كمعظم المقاهي العصرية المستنسخة التي لا تشبهنا؛ فقد غاب حضورها زمناً لتعود ثانية إلى حيز الوجود والحضور بملامح مختلفة وأسماء مستوردة ومشروبات ساخنة وباردة بنكهات فرنسية وإيطالية ولغات فضائية.

مقاه حداثية وأخرى اقتصادية وأخرى ملاه للعاطلين عن العمل أو عن الحياة؛ لممارسة الفراغ أو تعاطي الكافيين والشيش، بداعي التقدّم المتأخر والتسلية والممارسات العصرية.

من الصعب قليلاً أن تعقد بينك وبين هذا المكان الذي خضع لعمليات تجميل (عفواً تشويه) تلك الصلة من الانتماء والحنين أو الحميمية وبهجة لقاء الرفاق؛ فالزبائن بشر أو كائنات إلكترونية تحملها أجهزة الكمبيوتر التي يحملها أصحابها لتصاحبهم في أماسيهم.

المقاهي اليوم تنفض زائريها كما أعقاب سجائرهم لتمسي في الغد على ملامح بشرية أخرى قادها التسلية والمرح ليس إلا وشهوة احتساء (مج.. موكا أو كابتشينو).

كان المقهى في الماضي بمثابة برلمان يشكّل ملتقى ثقافياً كما يشبهه المخرج المسرحي ياسر البراك، هو سلوك غريزي وثقافة يومية وملمح من ملامح الرواية والكتابة والحكاية أيضا.

فهل نعود به ملمحاً عربياً أصيلاً ودار ثقافة وأدب لنعيد معه سيرة مبدعينا التي نبتت حروفهم بين جدرانه وأنفاسه وكل التفاصيل الصغيرة والعميقة؟.. ربما سيكون لنا هذا وسط زحام نحاول أن نجدنا فيه.

من آخر البحر.. لمحمود درويش:

مقهى وأنت مع الجريدة جالس

لا، لست وحدك نصف كأسك فارغ

والشمس تملأ نصفها الثاني

* *

كم أنت حر أيها المنسي في المقهى

لا أحد يحملق في حضورك أو غيابك

أو يدقق في ضبابك



maysoonabubaker@yahoo.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد