الأصل في تعاقدات الدولة مع شركات القطاع الخاص أن تتم من خلال المنافسة.. وإذا اقتضت الضرورة، وبشكل استثنائي، تلجأ الجهة الحكومية إلى (تأهيل) الشركات قبل السماح لها بشراء المناقصة، فيقتصر التنافس على الشركات المؤهلة القادرة مالياً وفنياً، ومن خلال خبراتها وتاريخها للوفاء بمتطلبات المشروع.
غير أن هناك استثناءات تمليها أحياناً طبيعة المشروع، نظراً لأن بعض المشاريع يتطلب تنفيذها اختصار الزمن، أو لحساسية المشروع أمنياً، أو للسببين مجتمعين، لذلك تلجأ بعض الجهات الحكومية إلى (دعوة) شركة معينة تمتلك الأهلية الفنية والمالية، وترسية المشروع عليها، دون منافسة.
مثل هذه الطريقة في ترسية بعض المشاريع لا يمكن إلغاؤها قطعياً، بسبب طبيعة بعض المشاريع، الأمر الذي يجعل الجهة الحكومية (مضطرة) لإلغاء المنافسة، وتنفيذ المشروع بطريقة (التعميد المباشر).. غير أن هذه الممارسة يجب أن تكون استثنائية، وفي نطاق ضيق، فضلاً عن أن يكون هناك (ما يبرر) موضوعياً تعميد شركة بعينها دونما منافسة لتنفيذ بعض المشاريع.
الخطورة في هذه الطريقة، أعني طريقة (التعميد المباشر)، أنها مع الزمن، والتكرار، وحجة كسر (الإجراءات البيروقراطية)، والسرعة في التنفيذ، والتّذرع بالمرونة، قد تصبح (ديدناً) تلجأ إليه الجهات الحكومية في تنفيذ مشاريعها، فيتسع (الشق)، وتتراخى القيود، ويصبح الاسثتناء أقرب إلى القاعدة، وبالذات فيما يخص المشاريع الإنشائية الضخمة.
قبل أيام نشرت صحيفة (سبق) الإلكترونية على الإنترنت خبراً يقول بالنص: (استنفرت 9 وكالات توظيف في مانيلا جهودها لتوفير وإرسال 25 ألف عامل فلبيني إلى السعودية خلال هذا الشهر، وذلك بناء على طلب تقدمت به شركة سعودي أوجيه).. كما جاء في الخبر: (وذكرت صحيفة فلبينية اليوم أن السفير السعودي في مانيلا محمد أمين والي طالب الجهات المختصة بإرسال نتائج الفحوص الطبية في أقرب وقت ممكن من أجل استخراج التأشيرات بشكل فوري، وإرسال العمال في أقرب وقت).
هذا العدد الضخم المطلوب من العمال، والذي جاء على وجه السرعة، حتى اضطر سفير المملكة في الفلبين إلى التدخل - كما يقول الخبر- يشير إلى أن هذه الشركة تنفذ عدة مشاريع وليس مشروعاً واحداً، وحكومية وليست خاصة بسبب تدخل السفير للتعجيل بإنهاء إجراءات الاستقدام، والسؤال: هل تمت ترسية هذه المشاريع عن طريق (التعميد المباشر).. أم من خلال المنافسة العامة، والتي يعلن عن طرحها وشروطها كما هو المعتاد؟
أسئلة مشروعة، لا يمكن إغفالها، أو تجاوزها، ولا سيما أن هذه الشركة شركة (خاصة) وليست مساهمة عامة، فلو كانت (مساهمة) لشارك في عوائد أرباحها حملة الأسهم من (المواطنين)، ولكان هناك - على الأقل - ما يبرر (الاقتصار) عليها دون غيرها من الشركات الإنشائية الخاصة، فمثل هذه المشاريع الضخمة لا يمكن أن تنفذها إلا جهة حكومية، أو شبه حكومية، كما هو معروف.النقطة الثانية التي لا يمكن تجاوزها عند الحديث عن هذه الشركة بالذات، أن أغلب العاملين فيها، وبالذات إدارتها العليا، وكذلك المستويات الإدارية والفنية المتوسطة هم - كما يقولون - من جنسية عربية معينة، الأمر الذي يحرم الشباب السعودي من الاستفادة المهنية واكتساب الخبرة من مثل هذه المشاريع، التي لو تدرب فيها السعوديون، وأُتيحت لهم الفرصة للاستفادة من الخبرات الأجنبية، لساهمت مستقبلاً في صناعة الإنسان السعودي القادر على الاضطلاع فنياً وإدارياً على إدارة مثل هذه المشاريع العملاقة.كل ما نريده هنا أن نعرف (أولاً) ما هي المشاريع التي تنفذها هذه الشركة التي اضطرتها لاستقدام هذا العدد الكبير من العمالة، و (ثانياً) الطريقة التي استطاعت من خلالها هذه الشركة الوصول إلى الفوز بهذه المشاريع، هذا كل ما هناك.. إلى اللقاء.