كانت تطلق كلماتها كالشَّرر وهي تعبِّر عن استيائها الشديد من سوء تناول قضية العنوسة عبر الوسائل الإعلامية، حيث يتحدث كثير من العلماء والدعاة والمفكرين فيها حديث من ينظر إلى القشور، ولا يفهم حقيقة العنوسة، فيظل يدور حول الموضوع وينطق بعباراتٍ وجمل تؤذي مشاعر هؤلاء الفتيات اللاتي لم يكتب لهن الله أن يتزوَّجن في السن التي تعارف عليها الناس في المجتمع.
|
قالت: سمعت الدكتور فلان يقول: على العوانس أن يتزوَّجن بعيداً عن النظرات الحالمة والشروط التعجيزية، عليهن أن يبادرن بالركوب في قطار الزواج حتى ولو داسهنَّ بعرباته، فهو خير لهن من قطار العنوسة حتى ولو كن من ركاب الدرجة الأولى فيه، ثم قالت: لقد شعرت أن هذا المتحدِّث لا يراعي مشاعر أحد، فقد صوَّر العانس على أسوأ الحالات، حتى أشعرني بأنها تعيش في مأساةٍ كبرى لا توازيها مأساة، وحتى جعلني أتساءل: هل هذا طرحٌ سليم لقضيةٍ كبيرة لها علاقة بالأسرة والمجتمع، والمرأة التي تملك من رهافة الإحساس ما يجعلها جديرةً بالعناية والرعاية كما هو نهج النبي صلى الله عليه وسلم، لا بالقسوة، وتحطيم المشاعر، والمساس بالكرامة.
|
قالت في حديثها الغاضب: أنا أعيش صورة من الصور المؤلمة التي تعاني منها المرأة المسلمة في مجتمع مسلم، فقد قبلت زوجة أخي به تحت ضغط مثل هذه الأحكام الجائرة، فهي فتاة في السادسة والعشرين من عمرها، مستقرَّة النفس عاقلة، طيبة القلب، وقد خطبتها أمي لأخي الذي يزيد عنها في العمر بسنتين، وسألتني عن أخي بحكم ما بيني وبينها من صداقة، فأخبرتها بالمشكلة التي يعاني منها أخي، ألا وهي مشكلة (المخدرات) ووصفت لها حالته، ومع أنها عزمت على الرفض إلا أنَّ سوط (العنوسة) الذي ضربها به من كان حولها من الناصحين قد دفعها إلى القبول بأخي، وقد صوَّروا لها أنه سيهتدي على يديها إنْ صبرت واحتملت، وأخبروها أن الارتباط به مهما كانت المعاناة خير لها من مرور السنوات حيث لا يصبح لها أمل في الزواج.
|
ويا لها من معاناةٍ ما تزال تجري أمام عيني، فقد أنجبت من أخي ثلاثة أولاد، وأصبحوا جميعاً تحت ضغط انفعالاته وجنونه بسبب المخدرات التي لم تستطع هذه المسكينة أن تنتشله من مستنقعها الآسن، ولم تجد أحداً من أهلها أو أهلي الذين أقنعوها بالزواج يمدُّ لها يد العون، أحلف لكم بالله إن العنوسة أفضل عشرات المرَّات من هذه الحالة البائسة.
|
ثم قالت: اتقوا الله في شقائق الرِّجال، وأعيدوا المجتمع إلى وعيه الشرعي السليم في هذه المسألة، وبدلا من الضغط على الفتيات بمثل هذه الآراء التي تطلقونها من وراء (مكبرات الأصوات) على المنابر، ومن وراء الشاشات التلفازية، والكتابات الصحفية، بدلاً من ذلك قدموا خُططاً عملية لمعالجة المشكلة. إن العنوسة خيرٌ من زواجٍ يحطِّم قلب المرأة، ويمزِّق شمل مشاعرها، ويجعلها تعيش في حياةٍ زوجية كميادين المعارك الملتهبة.
|
قلت لها: أنا أقدِّر انفعالك، وحرصك، وأشعر بجوانب من الحقِّ في بعض ما طرحتِ من الآراء، وأضم صوتي إلى صوتك في وجوب السعي إلى أساليب عملية واقعية لعلاج المشكلة، وألا يكون نصيبها منا الأحاديث النظرية العائمة التي تصيب وتخطئ، وتجرح المشاعر أحياناً، وما أجمل أن تتصدَّى الجهات المختصَّة والمراكز الاجتماعية بوضع الحلول الناجحة لهذه القضية ونظائرها.
|
|
يصبح الظلُّ لوحةً من شحوبٍ |
حين تشكو جفافها الأغصانُ |
|