تذهب كثير من الدراسات والأبحاث إلى أن الوقت أغلى من الذهب وهذا صحيح في مجمله وتفصيله، فالذهب تدخل في مفرداته خاصية التعويض والاستدراك، أما الوقت فإن الخاصيتين تنتفيان فيه ولا تنطبقان عليه, وإدارة الوقت والبعد التنظيمي لتلك المفردة في داخل مكاتبنا وبيوتنا ومدارسنا وحتى وزاراتنا يعتريها الكثير من النقص النسبي المتناقص تارة والمتزايد في مرات عديدة, للوقت أهمية بالغة، فقد أكد الحسن البصري رحمه الله ذلك بقوله: (يا بني آدم إنما حياتك أيام فإذا انقضى يومك انقضى بعضك.. واليوم الذي يذهب لا يعود ومن خصائص الوقت كما ذكر أحدهم أنه سريع الانقضاء وأنه لا يعود ولا يعوض وأنه أنفس ما يملك الإنسان, ولذلك ففلسفة الوقت تقوم على استثماره وعدم التفريط فيه والتخطيط له وتحقيق النتائج والنجاحات داخل منظومته, حتى إنه شاع عرف لدينا ونغمة سائدة يتناقلها الكثيرون وهي ثقافة تقوم على عدم الاكتراث بالوقت وأهميته وهي- دعنا نقتل الوقت- أو - فلنضيع الوقت- وكأن الوقت عبء أو شبح نتعامل معه بالقتل واللامبالاة، يقول رسول الهدي في الحديث الشريف (يا ابن آدم اغتنم خمساً قبل خمس شبابك قبل هرمك, وصحتك قبل مرضك, وغناك قبل فقرك, وفراغك قبل شغلك, ومن دنياك قبل آخرتك) أو كما جاء عنه، وللعالم المفكر جاليليو في قضاء الوقت إضاءة جميلة في هذا الأمر يقول: (لمحت الأقوام يضيعون الوقت لجمع المال, ثم يضيعون المال لقتل الوقت) أي أن اغتنام الوقت من أهم عوامل النجاح وتحقيق الأهداف، يقول المفكر الأمريكي بروان متسي وهو من أشهر المفكرين الإداريين وأنصح بقراءة كتبه الإدارية يقول: إن لإدارة الوقت مبادئ ستة (أن تكون الأهداف واضحة, وجود خطة واضحة لتلك الأهداف ومفصلة, عمل قائمة بالأولويات, تحديد الأولويات, التركيز وإعطاء كل العقل بشيء واحد ووقت واحد, إذا أردت أن تفعل شيئاً فابدأ من الآن), وسوف أتطرق لتلك الأهداف بشيء من التفصيل في مقال للأهمية بمشيئة الله, يقول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (حزنت ليوم تغرب فيه شمسه ينقص فيه عمري ولا يزيد فيه عملي) أن عدم التنظيم والتخطيط والتعايش مع الحياة داخل دوائر أعمالنا ومنازلنا ومرافقنا الأهلية والحكومية, يجعلنا نضيع من الوقت الكثير والكثير والذي لو أمعنا النظر في ذلك لتفاجأنا أنه يضيع أكثر من ساعة عادة من إجمالي الثماني ساعات وهي ساعات العمل المقررة للبحث عن شيء ما, تقول إحدى الدراسات البحثية التي عملت في إحدى أكبر الجامعات الأمريكية: إن الأمريكي هو محل البحث والدراسة والتي تقوم على فرض أن هذا الأمريكي قد عاش سبعين سنة, والمعدة من قبل العالم مايكل فربنيو, فلقد عملت إحصائية لأكثر من 10 آلاف أمريكي وتلك الإحصائية تبين المهام الذي يقوم بها الأمريكي خلال حياته تلك فخرجت النتائج على أن الأمريكي يشاهد التلفزيون خمس سنوات من السبعين سنة ويقف بالطابور لمدة خمس سنوات وينام حوالي عشرين سنة, ويفتح الرسائل لمدة ثمانية أشهر ويبحث عن شيء ما لمدة سنة ويعيش بالاجتماعات لمدة ثلاث سنوات, ويقضي ستة أعوام في الأكل ومائة وعشرين ساعة لتنظيف أسنانه, وخمس سنوات في تنظيف البيت, ويقف عند الإشارات لمدة ستة أشهر, ويقوم بعملية التخطيط لمدة ثلاث سنوات, ما يهمني من تلك الدراسة هو انه بالمقابل عملت دراسة في دولة كالصين مثلاً لأجد أن الصين في متوسط حياتهم أنه يبحث عن شيء ما لمدة أربع أيام وأعتقد جازماً لو طبقت تلك الدراسة في العالم العربي لوجد أن العربي يبحث عن شيء ما سواء في مكتبه أو سيارته أو منزله أو حتى لقاء سفره أعتقد أنها ستزيد عن عشر سنوات وأعتقد أنه يشاهد التلفزيون لمدة اثنتي عشرة سنة وأنه يقوم بالأشياء غير المفيدة لمدة عشر سنوات أخرى وإذا أحصيت تلك المدة مع المدة التي يقضيها في النوم والأكل فنجد أن ذلك هو جل ما يعيشه الفرد العربي وتلك لعمري كارثة لا يتبين لها إلا القليل من الناجحين والمثقفين وهم من الندرة والقلة التي يستطيع الشخص الناضر لهذا الأمر بعين السابر والمحلل فإنه يستطيع أن يحدد ذلك العدد دون عناء أو كثير من البحث والتنقيب, ما قصدته من ذلك أننا نضيع الكثير, لنستعرض على سبيل المثال عمل السكرتير في أي شركة أو منشأة أو في وزارة ولو عملنا دراسة دقيقة وعلمية لعدد الساعات والدقائق التي يضيعها عن كل يوم للبحث عن ورقة أو معاملة أو شيك أو أي شيء آخر, ولنفرض أنها 15 دقيقة فقط كل يوم وأعتقد أن الأمر أكثر من ذلك ولكن هذا افتراض يقوم على الرأفة والمحاباة, فسوف تخرج بالنتيجة التي تقول إنه يضيع في السنة 8.25 أيام وفي عشر سنوات 82.5 أي حوالي ثلاثة أشهر للبحث عن شيء ما, فما بالكم في المهام الأخرى؟! سؤال لا يحتاج إلى إجابة منكم.
kmkfax2197005@hotmail.com