كتب- يوسف بن محمد العتيق
في ليلة حضر فيها الوفاء والأدب والشعر وخفة الروح، كرّم منتدى عبد الله الماضي الثقافي في نشاطه الدوري مساء يوم الثلاثاء الماضي الشيخ عبد الله بن إدريس الأديب المعروف ورئيس النادي الأدبي بالرياض سابقاً.
أدار الحوار الزميل المهندس عبد المحسن بن عبد الله الماضي، وذكر في تقديمه لهذا الحوار أنه منذ أن أبدى الشيخ ابن إدريس موافقته على الاستضافة وتم تحديد الموعد.. بدأنا بالتفكير بما سوف نقوم به من استعدادات لهذا الحفل وتحديد أهدافه وصولاً لتحقيق غايته.. وهي الاحتفاء برجل حاز النجومية الأولى وأسبقية الحضور المجتمعي من بين أهلنا وفي وطننا.
ويضيف المهندس عبد المحسن بأنّ الندوة التي فيها ابن إدريس ستكون مختلفة.. فلن تكون مجرّد مداخلات قصيرة تُقَدِّم نقداً أو ملاحظات أو رغبات أو تساؤلات ثم يختمها الضيف بكلمة أخيرة فيتلوها العَشاء.. ومظاهر الاختلاف لن تكون في ترتيب فقرات الندوة بل في نوع المداخلات..
يقول الماضي: إننا لم نجتمع اليوم لتدارس شعره أو لتناول قصيدته الأخيرة أمام الملك والأمة في الجنادرية.. ولسنا بصدد فحص دوره وفعاليته في نادي الرياض الأدبي.. ولسنا أمام موضوع يحكي ذكرياته عن عمله في المعاهد والكليات إبان نشأتها الأولى أو غير ذلك.. نحن اليوم بصدد الاحتفاء بنجم كبير.. يَشْرُف كل واحد منا ويفخر بأنه من أهله وجماعته ومعارفه وأصدقائه وجيرانه.. نحن اليوم بصدد التعبير لوالد دوره الذي أداه يجعله مؤهلاً أن يكون من آباء هذا الوطن.. فإن تمضي ستين عاماً من عمرك في خدمة التعليم والإعلام والأدب.. وفق مستويات وطنية عالية في مجالاتها.. ألا يؤهِّلك ذلك أن تكون من آباء هذا الوطن؟.
وأخيراً - بحسب مقدِّم الحوار - فإنّ صاحب النجومية الأدبية والإعلامية في زمن الأمية يكون ساطعاً مبهراً.. لكنه كان مع الشيخ عبد الله متواضعاً ودوداً نزيهاً نقياً بريئاً.
أولى المداخلات والتعليقات كانت للأديب الأستاذ عبد الله بن حمد الحقيل أمين عام دارة الملك عبد العزيز السابق، والذي يقول إنه سعد بصحبه المحتفى به لقرابة الخمسين عاماً واصفاً ابن إدريس بأنه يمثل جيل الصبر والعطاء، واصفاً شعره بالرقيق وبأنه ممن أثرى الحركة الأدبية. وسأل الحقيل الشيخ ابن إدريس عن كتابه: (شعراء نجد المعاصرون) وعن نية الشيخ إعادة طبعة مع إضافة شعراء جدد.
ثم تحدث بعد ذلك الأستاذ محمد الفهد من منسوبي وزارة التربية والتعليم، الذي تعود ذكرياته مع الشيخ وشعره إلى فترة متقدمة من مراحل حياته التعليمية، واصفاً الشيخ ابن إدريس بأنه ليس رمزاً لمدينته حرمة فحسب، بل هو رمز عروبي ثقافي.
وبعد ذلك تحدث الشيخ عبد الله بن إدريس شاكراً الجميع على حضورهم وخصّ بالشكر والتقدير الشيخ عبد الله بن عبد المحسن الماضي، داعياً له ولمنتداه الثقافي بالاستمرار وشكر آخر لمدير الحوار المهندس عبد المحسن الماضي.
ابن ادريس الذي لم يخفِ سعادته بهذا الحضور وبهذا الاحتفاء، أكد أنه ليس مستغرباً أن يكون الاحتفاء ليس له بل لكل مبدع من أبناء هذا الوطن.
ثم تحدث ابن إدريس عن كتابه (شعراء نجد المعاصرون) بأنه ليس لديه نية لإضافة شخصيات جدية للكتاب لأنّ الكتاب - وبحسب ابن إدريس - اكتمل مع أول لحظة من خروجه من المطابع ولا يمكن إضافة شخصيات جديدة، لأنه يتحدث عن الشخصيات المعاصرة في فترة تأليف الكتاب، ويقول ابن إدريس إنّ لديه مشروع كتاب آخر مستقل فيمن لم يدرج من الشعراء في هذا الكتاب، وهذا العمل سبق وأن قدمه ابن إدريس على شكل ورقة عمل في جامعة الملك عبد العزيز بجدة في العام 1394 ه.
ابن إدريس تحدث بعد الإجابة عن هذا السؤال وتعليقاً على مداخلة الأستاذ الحقيل بأهمية التسلُّح بسلاح العلم والمعرفة، لأنّ العلم والثقافة هي السبيل الأبرز في خدمة قضايا الأمة، مؤكداً أنّ الجهل يؤدي للأمم بالتهلكة والتطرُّف والشذوذ، ويقول ابن إدريس في هذا الموضوع إنّ هناك فئة قليلة من هذه الأمة هم بالعشرات أو المئات لكنهم تطرّفوا وشذّوا ومع ذلك حكم على الأمة من خلالهم ولا سبيل لتصحيح صورتنا أمام الآخرين إلا بالعلم والثقافة.
وتعليقاً على سؤال الأستاذ محمد الفهد عن تدوين سيرته الذاتية، أجاب ابن إدريس بأنه كتب أشياء من سيرته ونشر بعضها ويقول: أرجو أن أعملها في مجلد أو مجلدين.
وعن المفارقة في كونه اشترك في أول أعداد مجلة المعرفة الصادرة عن وزارة المعارف، ثم لما عادت بعد انقطاع طويل رأس تحريرها ابنه الدكتور زياد، أجاب بأنه آنذاك لم يكن رئيساً للتحرير، وإنما كان عضواً في هيئة التحرير، وأثنى على مجلة المعرفة في عهدها الجديد.
ثم تطرّق مدير الحوارإلى مجلة الدعوة التي رأسها ابن إدريس بتكليف من سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله - وفيها محطات مهمة لا تنسى في حياة الضيف.
فمن حادثة الوصول للقمر التي أشار ابن إدريس إلى أنه كتب في إحدى افتتاحية الدعوة إلى أنّ الإسلام لا يعارض وصول الإنسان للقمر، وأنه أعقب ذلك استدعاء الشيخ محمد بن إبراهيم له على إثر هذه الكتابة مبيناً أنه يتفق معه في ما ذهب إليه في المقال لكن طرح مثل هذه الموضوعات قد لا يتناسب في مجتمع فيه عامة قد لا يتعاملون مع مثل هذه المقالات بالصورة المطلوبة.
ومن المواقف الطريفة أنّ أحد الشخصيات الإسلامية التركية زار السعودية ضمن وفد رئاسي تركي استقبلهم الملك فيصل، وعلى هامش هذه الزيارة التقى ابن إدريس هذا الشخص المعني بالعمل الإسلامي، وقال له إننا نترجم (70%) من مجلة الدعوة في مجلة نصدرها في تركيا، فأجابه ابن إدريس ممازحاً: يبدو أنكم ترجمتم حتى الإعلانات التجارية.
ويثنى ابن إدريس على تجربة مجلة الدعوة قياساً بتلك الفترة وحال المجتمع آنذاك، حيث إنها مع تركيزها على جوانب الدعوة والإسلام لم تغفل الرياضة والاقتصاد والمرأة واهتماماتها، وعلى ذكر المرأة ذكر ابن إدريس حادثة طريفة للحضور حيث إنّ مواد المرأة تتضمّن مادة: (طبق اليوم) وقد نقلت المحررة المادة الخاصة بتحضير الطبق من مطبخ عربي تضمّنت المقادير نوعاً من أنواع الخمور وقد مررت المحررة ذلك دون أن تعرف أنّ المقصود بإحدى المقادير نوعاً من الخمر، لأنها وكما وصفها الشيخ ابن إدريس من النساء المستقيمات اللاتي لا يعرفن الخمور وأنواعها ومسمياتها، واكتفت بالنقل عن هذا المطبخ العربي الذي لا يجد حرجاً في إضافة بعض أنواع الخمور مع الوجبات، ونشرت هذه المادة وقد أعقب نشرها سخطاً كبيراً حتى أنّ الملك فيصل - رحمه الله - أوصى بحسم ألف ريال من المرتب الذي يتقاضاه ابن إدريس.
يقول ابن إدريس ولحسن الحظ أنني كنت في تلك الفترة في إجازة بالقاهرة، وما أن علم جلالته بذلك حتى أوصى بأن يرد لي المبلغ المحسوم لأنه ليس لي ذنب في ما نشر، ولست مسؤولاً عن ذلك.
وتعليقاً على سؤال عن مشاركات ابن إدريس في مهرجان المربد بالعراق وأن ابن إدريس كان من ضمن المثقفين العرب الذين طبلوا للرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، أجاب أنه دعي للمرة الأولى في العام 1974 مع الدكتور غازي القصيبي، إلاّ أنّ القصيبي لم يحضر لأنه كان في تلك الفترة مرتبطاً بعمله في السكة الحديد، ثم توقف مهرجان المربد فترة من الزمن ثم عاد مع قيام الحرب العراقية الإيرانية، ويؤكد ابن إدريس أنّ ثناءه وشعره كان منصباً على مدح الجيش العراقي، ولم يصدر منه أي مدح لصدام سوى جزء من بيت في كلمة مثل (عاش صدام) أو نحوها من الكلمات.
وعند الحديث في هذا الموضوع لم ينس ابن إدريس أن يذكر للحضور أنه في إحدى زياراته للمربد طلب منه لطيف جاسم، إحدى الشخصيات العراقية المعروفة، أن يبرق لصدام حسين ملتمساً بإخراج نجله عدي الذي كان مسجوناً بأمر من الرئيس صدام لتأديبه، إلاّ أنّ ابن إدريس اعتذر عن ذلك لأنه كما يقول إنّ هذا الموضوع لا يخصني وليس من شأني، يقول ابن إدريس ثم ذكرت ذلك لسفيرنا في العراق طراد الحارثي - رحمه الله -، فما كان منه إلاّ أن اثنى على تصرفي.
وجواباً على سؤال عن أكثر ما فخر به ابن إدريس في فترة ترؤسه لنادي الرياض الأدبي من منجزات أجاب بأنها كثيرة والحمد لله لكنه خص إشراك العنصر النسائي في المناشط بأنّ هذا كان منجزاً يفخر به موضحاً أن ظروف النادي من ناحية المكان لا تسمح بحضورهن إلى النادي لأنه لا يوجد به سوى قاعة واحدة، لكن النادي نظم لهن العديد من المناشط والأمسيات في أماكن أخرى وشاركهن الرجال في مناشطهن عبر الدائرة المغلقة، ويتأسف ابن إدريس أنّ هذا الأمر لم يستمر بسبب تصرف غير مقبول من إحدى المشاركات، مما جعل هذه الأنشطة تتوقف بأمر من صانع القرار.