الجزيرة - وليد العبدالهادي
تترقب أسواق النقد في منطقة الخليج العربي خلال العامين المقبلين طرح العملة الخليجية الموحدة، ويشكل ذلك منعطفا هاما في مستقبل الأعمال الخليجية بما فيها أسواق المال، وبمناسبة القمة التشاورية الأخيرة والتي عقدت في الرياض المقر الرئيسي لمجلس النقد الخليجي لوح في الأفق العديد من التساؤلات الوجيهة حول السوق المالية المشتركة ومستقبل الودائع المصرفية المربوطة بفوائد طويلة الأمد بالإضافة إلى الكيفية التي سيتم بها تسعير الفائدة والتغيرات التي قد تطرأ على السياسات النقدية وأثرها على العملة الموحدة.
وتعاني دول الخليج العربي منذ 2005م من تضخم اقتصادي دخل على اقتصاديات هذه المنطقة من شقين الأول وصف من قبل المراقبين بأنه تضخم مستورد والأخر محلي، معللين الأسباب في انخفاض القوة الشرائية للدولار وتنامي الإنفاق الحكومي والاعتمادية على النفط بشكل كبير مما لا يخدم الميزان التجاري، والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هل ستكون العملة الموحدة مساهما رئيسيا في خفض معدلات التضخم بعد التخلي عن الدولار؟ وعليه ذكر الدكتور رجا البقمي المشرف على مركز الدراسات الآسيوية وأستاذ التمويل الدولي في المعهد الدبلوماسي بأن المقياس الرئيسي في الحكم على مدى قدرة دول الخليج العربي في السيطرة على التضخم هو حجم إنفاقها الحكومي ومتى ما رأينا الإنفاق يتزايد فإن ذلك هو مصير معدلات التضخم.
تداعيات العملة على الصادرات والواردات:
دائما ما تكون الصادرات ومصادر دخل الدولة حليفة لعملتها وصمام أمان للحركة الاقتصادية ومعلوم أن قوة العملة من قوة الإيرادات والدخل القومي لوطن هذه العملة فمتى ما كان الاقتصاد متنوع بمصادر دخله باستطاعته أن يفرض عملته في السوق العالمي، فما هو مصير العملة الخليجية فيما لو عادت الأزمة المالية لتشتد من جديد كيف يمكن أن تسوق هذه الدول نفطها دون تتكبد تكاليف عالية في الإنتاج؟ وبخصوص هذه المسألة علق الدكتور رجا بقوله (صحيح أن انخفاض الدولار كان مفيداً في مبيعات النفط ولكن يتم دفع هذه الفاتورة عبر الواردات بحكم أن اقتصاديات المنطقة لا تتمتع بالإنتاجية الذاتية وتستهلك الكثير من المنتجات الأجنبية).
البنك المركزي والسياسات الجديدة:
لم تظهر حتى الآن ملامح شخصية البنك من حيث السياسات المالية والنقدية والكيفية التي سيتم بها تسعير الفائدة ومدى جاهزية احتياطي سلة العملات وما هي الآلية التي ستتبع في شراء هذه العملات، وهل سنرى رواجا لسوق السندات والصكوك خلال الفترة المقبلة بهدف التحكم في السيولة الخليجية؟ يقول الدكتور رجا أنه على الأقل في البدايات لن يطرأ تغييرا جذريا على هذه السياسات وبما أن السياسات الاقتصادية لدول المنطقة متقاربة فسيكون البنك المركزي عبارة عن اتحاد لهذه السياسات سواء المالية أو النقدية.
هناك الكثير من التساؤلات التي يتطلع المستثمر في أن يجد إجابات شافية لها خصوصا المتعاملين في الأسواق المالية لسبب وجيه وبسيط ألا وهو أن هذه العملة المنتظرة تمس نقودهم المتمثلة في الودائع وتمس أيضا أصولهم المالية التي ستقيم مستقبلا بهذه العملة.
المجلس النقدي يعزز قيام العملة
أعربت شركة الأهلي كابيتال عن اعتقادها بأن التطورات الأخيرة ذات العلاقة بمجلس النقد الخليجي الجديد تعتبر دليلاً واضحًا على أن دول الخليج ما تزال ملتزمة بطرح عملة خليجية موحدة. وأن هذه الإرادة السياسية القوية ستمكن المنطقة من تجاوز الاضطرابات المؤقتة الحالية، وستمنع تأثر مشروع الاتحاد الخليجي النقدي ذا الأهداف والمزايا بعيدة المدى بتلك الاضطرابات.
وحول اختيار العاصمة الرياض مقراً للاتحاد الخليجي النقدي الجديد، صرح الدكتور يارمو كوتيلين، كبير الاقتصاديين بشركة الأهلي كابيتال (بالرغم من أن اختيار الرياض لم يكن مقرراً سلفاً، فإنه يعكس حكمة ومنطقاً قويين. لقد اتخذ هذا القرار بناء على معطيات اقتصادية من الواقع، فالمملكة العربية السعودية تتمتع بمكانة اقتصادية رائدة على مستوى المنطقة وفي سوق الخدمات المالية الإقليمية وهي آخذة في التوسع. كما أن اتخاذ المجلس من السوق السعودية مقراً له يؤكد أيضاً على أهمية المشروع، حيث سيحظى الكيان الجديد بقاعدة قوية في أكبر مدن المنطقة).
وأضاف الدكتور كوتيلين: (القرار له دور هام في دحض الشكوك التي اعتبرت في الاضطراب الاقتصادي الحالي سبباً لتأخير إقامة الاتحاد الخليجي النقدي المقترح، كما أنه يشير إلى التزام حكومات المنطقة بتفعيل التكامل الاقتصادي المستمر، حتى لو حدث تأخير في أحد بنود خطة العمل الرئيسية وأدى ذلك لتأجيل موعد طرح العملة الموحدة في العام 2010م. بالمقابل، فإن مجلس النقد الخليجي سوف يشكل عاملاً رئيساً لقيام الاتحاد وتعزيز فرص طرح العملة الموحدة مع بداية العقد القادم).
وأشار الدكتور كوتيلين إلى أن التزام حكومات المنطقة بالتكامل النقدي يعد بعدد من المزايا الهامة. وعبر خفض التكاليف التشغيلية وتحفيز التناغم بين الإجراءات التنظيمية في كل دولة، يصبح من الممكن تشجيع التكامل الاقتصادي بالمنطقة. وفي ذات الوقت، ستفتح العملة الموحدة لدول الخليج المجال لاستحداث سياسات أكثر مرونة فيما يتعلق بإدارة أسعار الصرف الخاصة بها، وهو الأمر الذي يلقى اهتماما كبيراً من الدول الخليجية منذ الأعوام القليلة الماضية. والاقتصاد الخليجي الموحد سيدعم مصادر الطاقة الخليجية على المستوى الدولي في الوقت الذي يتحول ميزان القوى الاقتصادية نحو منطقة الشرق الأوسط والقارة الآسيوية.
وبالرغم من أن الاتحاد الخليجي النقدي سيضفي بشكل أساسي الطابع الرسمي على ربط بعض العملات الخليجية بالدولار الأمريكي، يؤكد الدكتور كوتيلين أن وضع اللمسات الأخيرة على نظام الوحدة النقدية سيكون مشوباً بالتحديات. ويشير الدكتور إلى أن فترة التضخم الحالية متبوعة بهبوط الأوضاع الاقتصادية، قد أدت إلى نمو التنوع الاقتصادي بالمنطقة، والتي تمتلك تاريخاً من الاعتماد على مصدر دخل قومي أحادي، ولا تشكل هذه الاضطرابات الاقتصادية المؤقتة أي تأثير يذكر على مشروع الوحدة النقدية والنقدية الخليجية فالإرادة السياسية هي القوة الدافعة لهذا المشروع الطموح.
ويختتم الدكتور كوتيلين (الاتحاد الخليج النقدي هو مشروع ذو أهداف وفوائد بعيدة المدى، ولا يمكن بناؤه على أساس حالات تقلب اقتصادي المرحلي).. مشيراً إلى أن اليورو، الذي ولد في أجواء اقتصادية مضطربة، والدولار الأمريكي الذي يملك تاريخاً طويلاً كعملة موحدة لدولة ذات اقتصاد متنوع، مثالان قويان يؤكدان على التفاؤل بأن الاتحاد الخليجي النقدي سيصل لا محالة لمرحلة التأسيس الكامل وممارسة أعماله بعد ذلك.