Al Jazirah NewsPaper Saturday  09/05/2009 G Issue 13372
السبت 14 جمادى الأول 1430   العدد  13372
السعودة.. ياحليلك ياشاطر
د. عبدالله بن سعد العبيد

 

أحد الظرفاء علق على مقالاتي السابقة التي أثارت موضوع السعودة وكيفية علاجها وخصوصاً المقال الأخير (ملامح الأفق لدى الدكتور غازي)، الذي اقترحت من خلاله على معاليه أن يتم استبدال توظيف السعوديين كشرط لحصول الشركة أو المؤسسة على التأشيرات المطلوبة بمنح دراسية للشباب السعودي..

أقول علق بقوله (ياحليلك ياشاطر)، وأضاف أن ما أقوم به لا يتجاوز محاولات عبثية لإقناع الشباب بالتوظيف في مهن حرفية، واختتم رسالته الإلكترونية القصيرة بالقول (كان غيرك أشطر).

وبغض النظر عن اللغة المستخدمة من قبل الأخ الراسل وما تحتويه من أخطاء لغوية وإملائية فاضحة تجعلني أتمسك باقتراحي سابقاً بضرورة تعليم شبابنا، وبغض النظر عن جهله لمعنى كلمة شاطر التي لا تخفى على القارئ الكريم بأنها صفة تطلق على من أعيا أهله خبثاً كما ورد في القاموس المحيط للفيروز آبادي، أو كما ورد معناها في المعجم الوسيط أن الشاطر هو الخبيث الفاجر، وورد معناها أيضاً في لسان العرب لابن منظور بأن الشاطر هو من شطر عن أهله شطرواً وشطورة وشطارة إذا نزح عنهم وتركهم مرغماً أو مخالفاً وأعياهم خُبثاً، والشاطرُ مأخوذ منه، وأراه مولداً، وقد شطر شطوراً وشطارة وهو الذي أعيا أهله ومؤدبه خُبثاً.. قال أبو إسحاق: قول الناس فلانٌ شاطرٌ معناه أنه أخذ في نحوٍ غير الاستواء؛ ولذلك قيل له شاطر لأنه تباعد عن الاستواء. ولا أظن - والله أعلى وأعلم - أن الأخ الراسل يقصد ما ورد في تلك المعاجم من معانٍ للكلمة، لكنني أحببت أن أدلل على حاجة الشباب للتعليم من خلال ذلك الموقف الذي سردته في رسالة أخينا.

المهم في الأمر أن أخانا يلقي باللائمة على شبابنا السعودي في عدم إقبالهم وتقبلهم للعمل في القطاع الخاص أو حتى العام الذي يتطلب أن يكون ذلك الشاب مهنياً أو حرفياً يعمل في وظائف وضيعة لا تتناسب ووضع الشاب بل وتتسبب له في الخجل والحرج أينما ذهب وأينما حل، وأن شبابنا فضلاً عما سبق متطلب لا يتوقف عن إبداء الأعذار بمناسبة وبدون مناسبة؛ لتبرير خروجه المتكرر من العمل، ولا يقبل بالوظيفة أيضاً إذا كانت ساعات العمل طويلة، ويرفض العمل تحت إشراف وافد، ويتأفأف من قلة المردود ومن العمل الميداني الذي يتطلب جهداً بدنياً، وغالباً ما يستقر به الحال خارج العمل باحثاً عن وظيفة أخرى، أو أنه بالفعل قد حصل على وظيفة أخرى حتى لو كانت أقل من السابقة في إيجابيات كثيرة لكنها توفر له على أقل تقدير الكثير مما يعتبره مزايا كساعات العمل القصيرة والأمن الوظيفي والتكييف وغيرها مما يُعتقد أنها ميزات. باختصار شديد تم وضع اللوم جله على الشاب السعودي.

هذا ما يعتقده أخونا وما يعتقده بالمناسبة كثير إن لم يكن معظم أصحاب رؤوس الأموال لدينا إلا من رحم ربي، حتى أن الشباب أنفسهم بدؤوا بتصديق ذلك، وأصبح من يتم عرض وظيفة ما عليه يرفضها بالقول إنها ليست له وإنه لا ينتمي لها ولم تكن ولن تكون في يوم من الأيام للشباب السعودي بسبب طبيعتها ومدخولها، وإنه يفضل وظيفة مكتبية أو أمنية أو حتى وظيفة سائق عليها للاعتبارات تلك.

الموضوع له عدد كبير من الزوايا والمحاور التي لا أنوي الخوض بها مطلقاً؛ فقد أشبعتها وغيري بحثاً وتمحيصاً وكتابةً، لكن دعوني على الأقل أدحض حجة أخينا الذي أرسل بتلك الرسالة. فعودة سريعة لفحص ملفات الشباب السعودي الذي ينتظر فرصة عمل في تلك المهن كفيلة بدحض وجهة النظر تلك. صحيح أن لدينا عددا كبيرا من الشباب الذي لا يرغب في العمل في مجالات معينة، إلا أن هناك عددا لو تم استقبالهم على ما يتوافر من وظائف حالياً لسدوا تلك الثغرة التي يتعذر مديرو الموارد البشرية بحجة عدم وجود من يملؤها ويجب التقدم للوزارة للحصول على تأشيرات لاستقدام من يشغلها. لكم أعزائي القراء أن تتصلوا بالمركز الوطني للتوظيف وسؤال المسؤول في ثوان قليلة عن أعداد من ينتظر وظيفة، فضلاً عن غيرهم ممن لم يسجل نفسه طالباً عون المركز وأخذ بنفسه يبحث عن وظيفة. الوظيفة تتطلب أركاناً ثلاثة: طالب عمل، وجهة تطلب عملاً، ومعرفة. وقد كانت الحجج فيما سبق تتمحور حول عدم وجود ركنين أساسين في تلك المعادلة، هما طالب العمل - أي الشاب السعودي الذي لديه استعداد للعمل وامتهان تلك الحرفة - والمعرفة؛ لعدم وجود جهات تدريبية مانحة لها، وأن جميع العاملين في القطاع الخاص باختلاف أنشطته على استعداد تام لتوظيف الشباب السعودي متى توافر الركنين السابقين، وأخذوا يعلنون في الصحف توافر بعض الفرص الوظيفية فقط لإثبات وجهة نظرهم في عدم توافر من يتقدم لتلك الوظائف تمهيداً لحصولهم على التأشيرات اللازمة، بل أصبحت تلك الإعلانات متطلباً شكلياً للموافقة على منح التأشيرات؛ حيث يعلم الموظف مسبقاً أن إعلانات كتلك لن تحقق مراد الجهة المعلنة.

واستمر الحال كذلك حتى بدأت أركان المعادلة تتحقق، وأصبح بمقدور الشركات أو المؤسسات الحصول على ما تريد من الشباب السعودي؛ حيث انتشرت المعاهد التدريبية المتخصصة، وأقبل الشباب السعودي على المهن التي كانت إلى عهد قريب غير مرغوب في ممارستها، وأصبحنا بالتالي نرى شباباً يعملون في الحدادة والنجارة وميكانيكا السيارات والتمديدات الصحية والتمريض وخدمة الفنادق وغيرها كثير من الوظائف. بل زاد على ذلك توجه الدولة لرعاية أحد ركني المعادلة بإنشاء صندوق الموارد البشرية الذي يقوم بدعم الشركات للحصول على ما تريد من موظفين عبر تحمل مصاريف تدريبهم بل ونسبة كبيرة من مرتباتهم أثناء وبعد التدريب؛ مما لم يترك المجال أمام من يتعذر لغياب المعرفة والموظف.

وقفة أخرى لدى أقسام القبول في المعاهد المهنية الخاصة والحكومية لمعرفة أعداد الطلاب المسجلين في برامج مهنية أو أولئك الذين ينتظرون فرصة لرعاية تدريبهم من قبل العاملين بالقطاع الخاص تكفي لمعرفة أن الركن الأساس في عملية التوظيف قد توافر، وأن تدريب الشباب لم يعد من ضروب المستحيل أو ذلك الذي يتطلب ابتعاثا وسفرا ومصاريف.

لا أعلم حقيقةً إذا كان من اتهمني بالشطارة يعمل في إحدى إدارات الموارد البشرية تلك ويعلم جيداً ما الذي أعنيه بما سبق ذكره. يكفي أن أسأله وغيره ممن لا يزالون يسوقون الأعذار للجهات المانحة للتأشيرات: لماذا يشعر مسؤولو الموارد البشرية في القطاع الخاص - وغالبيتهم للأسف سعوديون - لماذا يشعرون بالهزيمة حينما يبرمون اتفاقيات لتدريب وتوظيف الشباب السعودي؟ لماذا يتذمرون من النظام ومتطلباته إذا لم يجد مخرجاً لورطته في توظيف السعوديين؟ لماذا إذا تقدم أحدهم بوظيفة بشكل مباشر وهو المؤهل لها، لماذا يُرفض؟ وإن تم قبوله، لماذا يُطلب منه أن يُحضر طلباً لتوظيفه من مكتب العمل التابع لمنطقته؟ إذا كان طرح مثل تلك الأسئلة عليه وعلى القائمين على إدارات الموارد البشرية بشركات ومؤسسات القطاع الخاص وعلى وزارة العمل والقائمين عليها يعتبر شطارة، فليشهد التاريخ بأني شاطر.



dr.aobaid@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد