المشهد السعودي العام يزخر بكثير من الأحداث السياسية والثقافية والإعلامية والتعليمية، وهذا ما تطالعنا به عناوين الصحف ونشرات الأخبار.. وحركة هذا المشهد تزداد يوما بعد يوم.. وبالكاد تستطيع الصحف ونشرات الأخبار التلفزيوينة أن تلبي مساحاتها ولو جزءاً من منظومة هذه الأحداث المتسارعة، والمتتابعة في كل المجالات.
وعندما أزور بلداً أو مدينة أنظر من اليوم الأول لوصولي في صحف ذلك اليوم، وفي نشرات الأخبار المحلية في ذلك البلد.. وأستطيع أن أحكم على المشهد العام مما أقرأه وأشاهده في وسائل إعلام تلك الدولة.. وفي سنوات ماضية كنت أغبط بعضاً من تلك الدول على كثرة النشاطات التي تعج بها العاصمة أو المدن الرئيسة الأخرى هناك. وكنت أتمنى أن يزدحم مشهدنا العام، وبخاصة المشهد العلمي والثقافي بكثير من الأحداث والمناسبات، التي عادة ما تزدحم بها عواصم خليجية أو عربية أو دولية.. ولكني اليوم أسعد عندما أجد أن مشهدنا العام، ومشهدنا الثقافي والعلمي يفوق بكثير ما كنت ولا أزال أرقبه من مشاهد في دول مجاورة أو حتى في بعض الدول الأخرى..
المملكة العربية السعودية تحولت في السنوات الماضية إلى نبض متدفّق ومركز محوري لكثير من النشاطات والمناسبات الإقليمية والدولية. وباتت مدننا ومؤسساتنا وجامعاتنا تزدحم كثيراً بمثل هذه المناسبات السياسة والاجتماعية والرياضية، إضافة إلى - وهذا هو الأهم - النشاطات العلمية الواسعة. وقد لعبت جامعاتنا السعودية باعتبارها تمثل مؤسسات التعليم العالي دوراً مهما في توسيع المشهد العام في بلادنا وتطويره ليصبح مركزاً حيويا في الحياة السعودية. وعلى وجه الخصوص، فإن دور جامعة الملك سعود وإسهامها في المشهد العلمي في بلادنا يستحق التقدير والإعجاب، نظراً لما يحققه من حضور دولي كبير من خلال نشاطات متنوعة على كافة المستويات.
وللتوضيح فقط، ومن خلال نموذج جامعة الملك سعود، نجد أن بالجامعة أكثر من200 قسم علمي، وتوجد نشاطات شهرية -إن لم نقل أسبوعية- لأكثر هذه الأقسام، إضافة إلى الكليات ووكالات الجامعة، والجمعيات العلمية والجامعة بشكل عام.. وهذه النشاطات تتوزع بين المحلي والعربي والدولي، وجميعها تصب في المشهد العلمي لجامعة الملك سعود، ومشهد جامعة الملك سعود يصب في المشهد العلمي والثقافي للبلاد، والمشهد العلمي يصب في المشهد العام للمملكة العربية السعودية.. وهكذا تتسع مساحة هذا المشهد لتصبح واجهات حضارية كبيرة عن المملكة بما تحتويه من مؤسسات سياسية واقتصادية وعلمية وثقافية واجتماعية.
ومن يقرأ صحفنا، أو يشاهد نشراتنا الإذاعية والتلفزيوينة تصبه الدهشة، وينتابه الإعجاب الشديد لهذا الكم الهائل من الحركة السياسية والاقتصادية والعلمية والثقافية في مختلف مدننا ومؤسساتنا. وبكل تأكيد، فإن ما نطالعه في صحفنا ووسائل إعلامنا هو أقل مما يحدث فعلا على أرض الواقع. فما يحدث فعلا هو أكثر بكثير مما يخرج إلى الناس وعموم الجمهور. وما تنشره صحفنا، وتبثه وسائل الإعلام المرئي والمسموع هو اختزال واختصارات - أحيانا كثيرة تكون مخلة وناقصة - لما يحدث فعلا من مناسبات ونشاطات يومية أو أسبوعية على أرض الواقع..
وللتدليل على ذلك، أسوق مثالا واحدا يبين اختلاف ما ينشر مع ما يحدث فعلا على أرض الواقع، فجامعة الملك سعود - كما أسلفت - تكتظ بنشاطات هائلة على كافة مستوياتها، ولكن ما ينشر في الصحف المحلية ليس إلا جزءا مبتسرا مما يحدث في أروقتها العلمية، حتى أن صحيفة رسالة الجامعة، وهي صحيفة أسبوعية تصدر عن الجامعة تختزل هذه النشاطات إلى أقل من الربع فيما تنشره عن نشاطات الجامعة، بحكم محدودية المساحة المتاحة لها.. وقس على ذلك باقي الجامعات وباقي المؤسسات الرسمية في الدولة، ومؤسسات المجتمع المدني وغير ذلك..
وقد أفضى لي زميل في إحدى الصحف المحلية بسر، في حديثه عن حضور جامعة الملك سعود في الصحافة المحلية، عندما قال: لا نستطيع أن ننشر أكثر من خبر أو تقرير عن جامعة الملك سعود، رغم أن ما يصلنا أو نصل إليه هو أكثر بكثير من ذلك، لأننا سنصبح صحيفة خاصة عن جامعة الملك سعود..
وعموما، فإنني - كما ذكرت في مقدمة المقال - أسعد بهذا الحجم الكبير من الحركة الواسعة في نشاطات بلادنا على كافة المستويات، وفي كافة المناطق، وهذا يعكس لنا مشهداً نوعيا لم نكن متآلفين معه في سنوات مضت في بلادنا.. وأخيراً.. تحية لكل من يسعى لتحقيق وتعزيز مثل هذا المشهد الحضاري..
alkarni@ksu.edu.sa