قتل فيروس الحمى الإسبانية (سنة الرحمة) في عام 1918 أكثر من خمسين مليون إنسان في العالم، ويذكر تاريخ المرض أن أول ظهور لحالاته الأولى كان في أبريل من ذلك العام، ثم خمد لعدة أشهر، لكنه عاد للانتشار بشكل مأساوي في الخريف من نفس العام، ويذكر التاريخ أن عدد سكان مدينة الرياض في ذلك العام كان حوالي عشرة آلاف نسمة، مات منهم ألف نسمة بسبب الفيروس القاتل، وهو ما يشكل نسبة عشرة في المائة من سكان المدينة، لكن لأسباب غير معروفة، عاد نفس الفيروس إلى العالم تحت اسم جديد بعد 90 عاماً من وبائه القاتل وفي شهر أبريل.
سيكون من الصعب التنبؤ بما سيفعله فيروس (?اتش ون إن ون?)? المعروف بإنفلونزا الخنازير في العالم، وهل ستكون ضربته الوبائية القاتلة في الخريف القادم الموافق لموسم الحج في العام الحالي كما فعل في سنة الرحمة، وهل يستطيع العلم، في مرحلته المتطورة عند المقارنة بزمن 1918، النجاح في إيقاف انتشاره من خلال التوصل إلى لقاح ضد الفيروس قبل الخريف القادم.
كذلك يواجه العالم أخطر أزمة اقتصادية تواجهه في التاريخ، فالشركات العملاقة والبنوك تخسر ويواجه بعضها خطر الإفلاس، والأخبار في الأيام القليلة السابقة بدأت في الإتيان ببدء حلقات إفلاس شركات صناعة السيارات في أمريكا، وقبلها تناقلت وكالات الأنباء انهيار بنوك عالمية، ويبدو أن العالم ما زال ينتظر أخباراً أكثر مأساوية في ظل الركود الاقتصادي العالمي، فديون الأفراد المتراكمة لا تسمح بعودة سوق الاستهلاك لأيامها الذهبية في القريب العاجل، والأزمة ستنتظر الفرج في عملية حركة المال في العالم، وما حدث يعتبر بكل المقاييس درساً تاريخياً، إذ لا يمكن أن يتكدس المال عند فئات محدودة، ولا نتوقع حدوث انهيار للاقتصاد وسقوط لأركانه.
أيضاً تزداد وتيرة الحديث عن التغيير المناخي في العالم، واحتمال حدوث تغيرات قاسية في مناخ العالم، ومنها على سبيل المثال اتساع مساحات الجفاف في بعض المناطق، ولا تزال الصورة غامضة بالنسبة للجزيرة العربية رغم بعض التوقعات التي لا تستند إلى أدلة واقعية، فالأمطار تنحسر، والعطش سيهدد سكان الجزيرة العربية ما لم تحدث معجزة في تقنية إنتاج المياه المحلاة، ومنها على سبيل المثال استغلال الموارد المالية لدول الخليج العالية، ونقل تقنية تحلية البحر بمصانعها وخبراتها الإنسانية إلى المنطقة، ثم العمل على تطوير هذه التقنية كاستثمار طويل الأجل في مرحلة الصراع مع الجفاف في مستقبل الأيام، لكن إلى الآن لا نرى في الأفق بارقة أمل، فالعمل لا يزال نظرياً، ولم نتحرك بعد للاستثمار بقوة في مجال تقنية إنتاج المياه المحلاة.. أي أننا سنعاني من العطش والجفاف في مستقبل الأيام.
ما سطرته أعلاه رؤية تمت صياغتها بالألم والتشاؤم، تعيد للذاكرة قصة فيلسوف اسمه شوبنهاور، كان يتبنى فلسفة التشاؤم كأسلوب مجدٍّ للحياة التي يقول إنها محزنةٌ جداً، وكان قد اتهم بالمرض النفسي، لكنه لم يأبه لتلك المقولات، وقرر أن يقضي حياته حزيناً وكئيباً، مستمتعاً بالتأمل في بؤسها ومآسيها، يقول الفيلسوف المتشائم: إن الحقيقة الكاملة تَمرُّ خلالِ ثلاث مراحل: أولاً أنها تبعث على السخرية، وثانياً أنها ستُعارض بعنف، وأخيراً أنها سُتقبل باعتبارها فرضت ذاتها، وقال أيضاً: إننا نشعر بالألم إذا أصابنا فقط، ولا نعد نحس به بعد زواله بوقت قصير.. ومن مقولاته أيضاً: إذا فقدنا الاهتمامَ الزائد بأنفسنا، لن تثير الحياة حينها شيئاً فينا، ولن يقوى على تحملها أحد..
بمعنى آخر يرى شوبنهاور أن إشاعة التفاؤل والسعادة قد تكون في غاية السلبية إذا قورنت بالفعالية التي تصاحب معاناة الألم وحالة التشاؤم، فالألم وقدرة التعبير عنه يمثلان الدافع الحقيقي لأن تكون شجاعاً لمواجهة الحقيقة، بدلاً من العيش في وهم السعادة والتفاؤل المثبط لمخاض الأعمال الخالدة.