سبق وأن كتبت في هذه الصحيفة (السبت 02 صفر 1429هـ العدد 12917) مقالاً بعنوان (إنفلونزا الطيور.. أم إنفلونزا الخنازير؟).. ولكن جاء اليوم الذي لا يستطيعون فيه حماية الخنزير إعلامياً.. أو إخفاء الحقيقة وهو مرض إنفلونزا الخنازير ..
..وأن الخنزير هو وحده يقف كقاسم مشترك أعظم في كل هذه الأوبئة الفتاكة إلى حد سميت بمثلث برمودا الأوبئة وذلك لشدة تعتيمها إعلامياً.
والحقيقة كانت في إمكانية تحور شكل الفيروس إلى نمطه الحقيقي (الخنزير) أو من نمط إلى آخر مما يصعب علاجه بصورة سريعة، لافتاً إلى إن صناعة الأمصال المضادة للإنفلونزا, والتي لا تتجاوز 300 مليون جرعة سنوياً، لذلك فإن إمكانية توزيع عدد من الأمصال ليكفي سكان العالم قد تبدو مستحيلة في ذلك الوقت أو حتى في وقتنا الراهن. وأن هناك مشكلة أخرى لا تقل خطورة عن الأمصال وهي أن معظم المستشفيات في العالم وخاصة في الدول الفقيرة غير قادرة على التعامل مع هذا الوباء في حالة وقوعه لا سمح الله، وغير قادرة سريرياً لاستيعاب مرضى إنفلونزا الطيور مما يجعل الحاجة ضرورية إلى تفعيل إجراءات الحجر الصحي من قبل المنظمات العالمية التي تعمل في هذا المجال، مثل منظمة الصحة العالمية (WHO) ومنظمة الأغذية والزراعة (FAO) التي تعمل بميزانيات منخفضة بالكاد تكفي لتشغيلها فضلاً عن ما ستتحمله من أعباء جديدة إضافية ومكلفة، حيث آن الأوان لرفع الغطاء العلمي والأكاديمي والكشف عن حقيقة وباء إنفلونزا الطيور وأنه وباء ناجم عن مزارع الخنزير أصلاً وهذه من حكمة المولى عز وجل في تحريم الخنزير.. حيث بدأ انتشار فيروس
h1n2 في الخنازير في أوروبا عام 1957،
الذي كان مزيجاً من فيروسي إنفلونزا الطيور والإنسان، وكذلك بانتشار فيروس h3n2 في أمريكا، الذي مزج بين ثلاثة فيروسات للإنفلونزا من كل من الطيور والخنازير والإنسان، حيث يعتبر الخنزير مستودعاً أو مخزناً طبيعياً لفيروسات الإنفلونزا.
أما سبب انتشار إنفلونزا الطيور هو من الدواجن التي كانت تربى مع الخنازير في الصين، وأن الطيور التي كانت تعيش معها في الأماكن نفسها: علفت وأكلت وتغذت على فضلات وبراز وبول ولعاب الخنازير، ودخلت الفضلات إلى تركيب البيض الذي تنتجه هذه الطيور فأصيبت جميعها بالمرض الذي انتشر لبقية العالم.
ففي الأعوام الماضية تم التخلص من أكثر من 200 مليون من الطيور.. قتلت ظلماً وعدواناً لحماية صناعة الخنزير المهلكة للجنس البشري وعدم فضح حقيقة المذنب (الخنزير) متمثلة من أعلى المستويات العلمية والمنظمات الأكاديمية فتارة تسمى زوراً بإنفلونزا الطيور وتارة تتهم القطط كما في السارس وتارة يتهم القردة بأنها الأصل فيها كما في الإيدز وتتهم هذه المخلوقات ظلماً وبهتانا فتكون النتيجة القتل أو الإعدام شنقاً.
ليس لأنها متهمة بالوباء بل لأنها فقط ناقلة له من مزارع الخنازير!! والأدهى والأمر من ذلك أن يوضع الديك المشرف بالآذان ورؤية الملائكة على قائمة المطلوبين المعلنة عن المرض وكأنه الرأس المدبر أو مجرم حرب مطلوب حياً أو ميتاً. (وهو بريء براءة الذئب من دم يوسف).
وهنا أنادي الأطباء والباحثين ومراكز أبحاثهم الأكاديمية والعنصر الصحي المفقود وفي ظل قلة الأطباء البيطريين، بأهمية البحث في هذه الأوبئة ومحاربتها وذلك لما تسببه من خسائر بشرية واقتصادية.. حيث إن الأوبئة الفيروسية الحالية التي تنطلق موجاتها خلال السنوات الأخيرة من مزارع الخنازير تتكتم عنها الدول والمنظمات بسبب التقصير وفي ظل غياب واضح من مراكز الأبحاث العلمية العربية.
حيث تم التحذير مراراً وتكراراً من مغيبة إنفلونزا الخنازير التي وصفت بالخطيرة على حياة البشر خاصة في ظل إمكانية حمل الخنازير لعدوى فيروس إنفلونزا الطيور والإنفلونزا البشرية، وقدرتها على المزج والتلاحم بينهما، وأنَّه من الممكن أن ينتج عن الفيروسين السابقين فيروس جديد قادر على مهاجمة الإنسان وإصابته!!.
وهناك أمثلة كثيرة على جرائم الخنزير يشهد لها التاريخ: ففي عام 1976م أصيب أحد الجنود الأمريكيين بإنفلونزا الخنازير، وتوفي على الفور، وانتشرت على الفور حالة من الهلع لأن مسئولي الصحة بأمريكا توقعوا أن ينتشر الإنفلونزا على شكل وباء قاتل كما حدث عام 1918م، ولكنها تنبؤات لم تقع, أدت إلى استقالة كبار المسؤولين في الصحة الأمريكية، وأضعفت من مصداقية الولايات المتحدة في الصحة العامة، ونالت آنذاك من سمعة الرئيس الأمريكي جيرالد فورد.
وفي مطلع عام 1977م صحيفة (نيوزداي) الأمريكية تقول فيها إن الجماعات الكوبية المناوئة لكاسترو والتي تعيش في أمريكا قد أدخلت بالتعاون مع وكالة المخابرات المركزية فيروس (حمى الخنازير الإفريقية) إلى كوبا عام 1971م وأضافت إن الفيروس قد وضع في علبة وأرسل عن طريق أحد المسافرين إلى كوبا, هذا ولم يؤثر ذلك الفيروس في الإنسان ولكنه قتل حوالي خمسين ألف خنزير, وقد كشفت هذه القصة أثناء التحقيق مع عضو في المجموعة الكوبية التي تعيش في المنفى بتهمة ممارسة الإرهاب, وقد كشف هذا العضو بدوره عن تورط المخابرات الأمريكية في عملية نقل الفيروس بدفعها مبالغ كبيرة لتنفيذ العملية.
وفي إحدى المعارك في إفريقيا وشبه جزيرة إيبريا، حيث تسممت لحوم الخنازير مما دمر الصناعات المرتبطة به وصلت إلى شمال أوروبا أيضاً!! لذلك نجد في بعض الدول الغربية إجراءات شديدة الصرامة في هذا الإطار عند استيرادها لأي حيوان من دولة أخرى, على سبيل المثال تتطلب إنجلترا فترة حجر صحي للكلاب تصل إلى ستة أشهر, قبل أن تدخلها في العمل العسكري لضمان خلوها من الأمراض وهو كما هو حاصل اليوم في إنفلونزا الطيور, وفي الولايات المتحدة تشترط أن تنقى التربة من تحت البضائع المستوردة من أوروبا بإزالتها وإتلافها تماماً.
ولا يزال مسلسل الرعب مستمر والانتشار السريع الذي يواصله فيروس إنفلونزا الخنازير على معظم أنحاء الكرة الأرضية، والتي لا أحد يعلم متى سوف تنتهي هذه الأزمة، الأمر الذي يجعله قد يتحول إلى وباء عالمي ليصبح مصدر قلق يهدد العالم بأسره لا قدر الله. ليتم إعلان حالة التأهب القصوى في العالم لمواجهة حمى هذه الخنازير.
(*) دكتوراه إدارة المستشفيات في التأمين الصحي
altassan2000@yahoo.com