الأستاذ محمد العبدي مدير التحرير للشؤون الرياضية.. سلمه الله
تحية طيبة لكم..
اطلعت على ما كتبه الأستاذ محمد بن علي القدادي بعدد الجزيرة الصادر يوم الثلاثاء 28-4-2009م تحت عنوان: (نظرات قانونية وجنائية في تعمد إصابة أحمد الفريدي)، والذي كان يتمحور حول حق اللاعب الشخصي فيما يخص الحادثة المؤسفة والتي أدت إلى كسر بالساق تعرض له لاعب نادي الهلال أحمد الفريدي نتيجة دخول خشن متعمد من لاعب النصر ريان بلال خلال مباراة الفريقين التي أقيمت ضمن مباريات كأس دوري خادم الحرمين الشريفين يوم الجمعة 17-4-2009م، وهي الحادثة التي مرت دون اتخاذ أي إجراء أو أي عقوبة مسلكية من قبل لجنة الانضباط بالاتحاد السعودي لكرة القدم، رغم اللقطة التلفزيونية التي تثب تعمد إيقاع الإصابة.
وإضافة إلى صدور التحليل الوارد في المقال من شخص متخصص ومؤهل علمياً في المجال القانوني، فإن ذلك يأتي إضافة إلى موهبة الأستاذ محمد القدادي التاريخية التي جعلته واحداً من أهم مؤرخي الرياضة السعودية عبر إصداراته المتعددة التي أذكر منها (التاريخ الرياضي في عهد الملك عبدالعزيز)، (رمز الريادة ومؤسس الرياضة) وهو خاص بسيرة وأعمال رائد الرياضة السعودية الأول صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله الفيصل، (قصيدة خالد الفيصل الأولى)، وكتابه القانوني الرياضي (المسؤولية الجنائية في إصابات الملاعب الرياضية وتطبيقاتها في المملكة العربية السعودية - دراسة فقهية قانونية).
وأود أن أعلق على ما كتبه الأستاذ محمد القدادي بأنه سبق للجنة مشكلة من عدة جهات حكومية في هيئة الخبراء عام 1427هـ وضمت مندوبين من جهات لها علاقة بالشأن الحقوقي والقضائي وهي (وزارة الداخلية، وزارة العدل، ديوان المظالم، هيئة التحقيق والادعاء العام)، وضمت كذلك الرئاسة العامة لرعاية الشباب أن بحثت موضوع المخالفات المسلكية التي تحدث بين اللاعبين داخل الملعب وموضوع القضايا المدنية والجنائية التي تنشأ عن تجاوز الحدود المقررة للعبة، وكان سبب البحث هو طلب تقدمت به الرئاسة حول حكم قضائي كان قد صدر بحق لاعبين من نادي (الاتحاد) عقاباً لهم على أفعال ارتكبوها في حق لاعب من النادي (الأهلي) بعد نهاية مباراة جمعت بين الفريقين عام 1425هـ، حيث رأت الرئاسة ضرورة معالجة مثل هذه الحالات التي تحدث داخل الملاعب الرياضية من قبل الرئاسة والاتحادات الرياضية وفقاً للوائح الخاصة باللعبة بدلاً من اللجوء إلى القضاء، وقد استندت الرئاسة في ذلك إلى أن قوانين الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) تمنع أي جهات غير رياضية من النظر في أي خلافات تحدث داخل الملعب بل تحيلها إلى اتحاد كرة القدم المحلي ليتخذ فيها ما يراه على ضوء لوائحه.
وبعد أن مهدت اللجنة لمرئياتها باستعراض أوّليات الدراسة، ومنها استعراض القانون المقارن مثل قانون العقوبات الكويتي الذي نص في مادته (31) على أنه: (لا جريمة إذا وقع الفعل أثناء مباراة رياضية من شخص مشترك فيها، بشرط أن يلتزم قواعد الحذر والاحتياط وما تقضي به الأصول المرعية في المباراة)، والمادة (47) من قانون العقوبات القطري التي تنص على أنه (لا جريمة إذا وقع الفعل بنية سليمة، استعمالاً لحق مقرر بمقتضى الشريعة الإسلامية أو القانون، وفي نطاق هذا الحق يعتبر استعمالاً للحق:... 2- أعما العنف التي تقع أثناء ممارسة الألعاب الرياضية في الحدود المقررة للعب مع مراعاة قواعد الحذر والحيطة)، فقد خلصت اللجنة التي تعرضت للمرة الأولى إلى موضوع (قانوني/ رياضي) إلى مبادئ مهمة، يتفق معها بدون جدال أو نقاش أي متخصص في القانون، ومنها:
1- أن الاتحاد الدولي لكرة القدم ليس من أشخاص القانون الدولي العام، بل يعد من المنظمات الدولية غير الحكومية، ولا تعامل الوثائق الصادرة عنه لتنظيم لعبة كرة القدم من قبيل الاتفاقيات الدولية.
2- أن (لجنة الانضباط) بالاتحاد السعودي لكرة القدم تملك النظر في أي خلاف يقع بين اللاعبين داخل الملعب وإيقاع العقوبة (المسلكية) المناسبة على المخالف مثل: التحذير، التوبيخ، الغرامة،.. الخ، إلا أن هذا الاختصاص لا يحول دون قيام المحاكم القضائية المعنية بالفصل أيضاً في هذه المخالفات إذا شكلت جريمة جنائية أو مدنية.
3- أن القول باختصاص (لجنة الانضباط) بالنظر في القضايا الجنائية والمدنية سيؤدي إلى سلب اختصاص السلطة القضائية في النظر إلى مثل هذه القضايا، وكذلك تعطيل النصوص الشرعية والنظامية التي تحكم هذه القضايا، ولا يتفق كذلك مع مقتضى النصوص وما جرى عليه العمل في الدول الأخرى.
4- أن منع اللجوء للقضاء الوارد في نظام الاتحاد الدولي لكرة القدم يقصد به عدم إحالة (المخالفات المسلكية) من الاتحادات المحلية إلى غير محكمة التحكيم الرياضي المنصوص عليها في نظام (الفيفا). ولا يمكن أن يعني ذلك تخويل (لجنة الانضباط) النظر في القضايا الجنائية والمدنية التي تختص بها أصلاً المحاكم.
5- أن العقوبات التي يتم إيقاعها على اللاعبين والإداريين لقاء المخالفات الانضباطية هي (التحذير، التوبيخ، الغرامة، سحب الجوائز، الإنذار، الطرد، الإيقاف عن المباريات، المنع من دخول الملعب، المنع من المشاركة في أي نشاط له علاقة بكرة القدم)، وهو يعني أن تلك العقوبات خاصة بالجزاء على مخالفة السلوك الرياضي (أي العقوبات المسلكية)، ولا تمتد إلى مجال العقوبات الجنائية أو التعويضات المدنية المختصة بها في الأصل الجهات القضائية المحلية.
وقد انتهت اللجنة المشار إليها في محضرها الذي أعدته بشأن الموضوع إلى أنه ينبغي التفريق بين المخالفات ذات الطبيعة المسلكية التي تحدث بين اللاعبين داخل الملاعب التي تختص بها لجنة الانضباط بالاتحاد السعودي لكرة القدم بناء على قانون الاتحاد الدولي لكرة القدم، وبين القضايا المدنية والجنائية الناشئة عن تجاوز الحدود المقررة للعبة التي يختص بنظرها الجهات القضائية المختصة، وأن القول بغير ذلك يؤدي إلى انتهاك سيادة الدولة المتمثلة في اختصاص السلطة القضائية في النظر في الدعاوى المدنية والجنائية والفصل فيها، وهو ما جرى العمل عليه في القانون المقارن.
وأستطيع القول إن اللقطة التلفزيونية (الواضحة) التي تغاضت عنها لجنة الانضباط بالاتحاد السعودي لكرة القدم، وهي اللجنة التي أصيبت بموت دماغاي، تؤكد تعمد (ريان بلال) إيقاع ضرر باللاعب (أحمد الفريدي) وبشكل يخالف (قواعد الحذر والاحتياط) الواردة في القانون المقارن، بل إن ذلك الفعل المتعمد ينطبق عليه في تقديري الوصف الذي ورد في مقال الأستاذ محمد القدادي بأنه يمثل: (الخروج عن الخطر المعتاد المعروف للعبة، ويخرج باللعبة عن مخاطرها المعتادة، لأنه أصبح جسيماً ومس سلامة الجسد، وكل لعبة معروفة مخاطرها القانونية وبناء على ذلك يتم الرضا. إن ما قام به اللاعب (ريان بلال) ليس فيه شيء من شروط استخدام الحق داخل الملعب، سواء من حيث الالتزام بالقانون أو حسن النية أو ممارسة حق بمقتضى قانون اللعبة أو القانون العام، فاللاعب كان مسئولاً مباشرة ويتحمل الفعل والسببية التي أدت إلى كسر زميله الفريدي بشكل مباشر).
خالد عبدالرحمن الطويل
مستشار قانوني / عضو لجنة تطوير الرياضة السعودية