د. توفيق عبد العزيز السويلم
تشير تقارير اقتصادية لصندوق النقد الدولي نشرت الأسبوع الماضي إلى أن الأزمة المالية الاقتصادية العالمية ستستمر مدة أطول من الأزمات السابقة حيث سيحدث انكماش طويل الأمد يتزامن معه نهوض بطيء للاقتصاد العالمي ومع تواصل تداعيات الأزمة المالية العالمية وتأثر كثير من المنشآت الاقتصادية سلبياً بهذه الأزمة التي ضربت بجذورها في العديد من الاقتصاديات الغربية إلا أن العديد من التقارير الاقتصادية تشير إلى أن الاقتصاد الخليجي أقل تأثراً بتداعيات هذه الأزمة المالية ومع هذا فهناك العديد من المخاوف التي تنتاب الاقتصاديين في الخليج من تحديات كبيرة قد يواجهها الاقتصاد في دول مجلس التعاون نتيجة لانخفاض أسعار النفط... والسؤال الذي يفرض نفسه الآن هو هل الاقتصاد الخليجي يستطيع مواجهة هذه التحديات؟!
وقد شهدت الساحة الاقتصادية الخليجية مؤخراً تطورات جذرية للتعامل مع المتغيرات الاقتصادية العالمية في ظل ظهور التكتلات الاقتصادية العالمية والنزعة الموجودة نحو اندماج الشركات فبعد الخطوات التنفيذية التي قطعتها الدول الخليجية نحو التكامل الاقتصادي فإن هناك خطوات معضدة لهذا التكامل منها الإعلان عن بدء تنفيذ الاتحاد الجمركي الخليجي اعتباراً من الأول من يناير 2003م تمهيداً لخطوة تليها بإذن الله تعالى نحو إقامة السوق الخليجية المشتركة بمعدل إنتاج محلي يصل إلى 799.7 مليار دولار مع فائض وصل إلى أعلى مستوياته حيث يقدر صندوق النقد الدولي ارتفاعه من 215 بليون دولار عام 2007م إلى 332 بليون دولار عام 2008م مع السعي الواضح نحو توحيد العملة الخليجية وإقامة الاتحاد النقدي بإذن الله تعالى في عام 2010م.
ويشير الدراسات والتقارير الاقتصادية ومنها تقرير صادر عن وحدة الإيكونوميست للمعلومات أن ينمو الاقتصاد في دول مجلس التعاون الخليجي بشكل مطرد من الآن وحتى 2020م، بمعدل أسرع من المتوسط العالمي حيث سيحقق معدل نمو سنوي قدره 4.5%، بالمقارنة مع المعدل العالمي الإجمالي الذي سيبلغ 3.3% ومن المتوقع حدوث زيادة في القدرة الإنتاجية لدول مجلس التعاون الخليجي من النفط والغاز، وستتجه دول مجلس التعاون الخليجي إلى تحويل المزيد من النفط إلى منتجات مكررة، أو مواد بتروكيميائية، واستخدام موارد النفط والغاز كمواد أولية للصناعات التي تكون ذات قيمة مضافة كبيرة، وتوفر مزيداً من فرص العمل بالإضافة إلى أنه من المتوقع أن يزيد حجم البضائع المتداولة مع دخول مشروعات صناعية جديدة، مثل البتروكيماويات والألومنيوم وغيرها من الصناعات القائمة على الموارد في طور الإنتاج كما توقع التقرير أن تصبح دول مجلس التعاون الخليجي مركزاً مالياً إقليمياً في عام 2020م، له الأهمية ذاتها في الشرق الأوسط، كتلك التي تحظى بها سنغافورة في آسيا. ومع ذلك، فإنه سيكون من الصعب منافسة المراكز الأكثر رسوخاً في نيويورك ولندن. ويعد التمويل الإسلامي أحد المجالات التي يُتوقع أن تشهد نمواً كبيراً.
ومع الاعتراف بأن الطفرات الاقتصادية الخليجية شجعها ودعمها ارتفاعات أسعار البترول المتتالية في المنطقة إلا أن ذلك يحتاج إلى خطوات متتالية من جانب القطاعات الأخرى وعلى رأسها قطاع الصناعة لتساهم في المحافظة بل وفي زيادة معدل التطور الاقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجي، ولتحديد تلك الخطوات وترتيبها من الضروري أن يكون حسب أولويات الاحتياجات الحقيقية لمتطلبات النهضة الاقتصادية التي تتطلب أن نستثمر الفوائض النقدية في توطين التكنولوجيا وإحداث نهضة اقتصادية في قطاعات غير نفطية بحيث يتم في نهاية المطاف الاعتماد على اقتصاد متنوع المصادر وغير محدد ومربوط بمصدر واحد للدخل الوطني.
وقد بلغ إجمالي الناتج المحلي في دول مجلس التعاون الخليجي في عام 2005م 612.3 مليار دولار وفي عام 2006م بلغ 717.9 مليار دولار زاد في عام 2007م إلى 799.7 مليار دولار ومن المتوقع أن يصل إلى 1107 مليار دولار في عام 2008م وهذا يعطي مؤشراً جيداً على النمو الكبير الذي يشهده الاقتصاد الخليجي. وعلى الرغم من هذا التطور إلا أن الاقتصاد الخليجي سيواجه تحديات كبيرة منها ارتفاع نسبة التضخم والمنافسة وما لهما من تأثير واضح على الاقتصاد الخليجي.
لذا فإن واقع الأمر يستدعي تنسيق الجهود بين الدول الخليجية حتى تكون قادرة على أن تصمد أمام المتغيرات العالمية وأن تسعى دول مجلس التعاون إلى تفعيل التجارة فيما بينها والعمل على تحقيق التكامل الاقتصادي الكامل بأسرع وقت ممكن وسرعة تفعيل الاتحاد النقدي الخليجي نظراً لتأثيره على مستقبل التكامل الاقتصادي واستمرار برامج التنمية لتكون قادرة على التعامل مع المتغيرات الاقتصادية العالمية في ظل الانفتاح الاقتصادي العالمي وبروز التكتلات الاقتصادية الكبرى ومحاولتها الهيمنة على الأسواق العالمية.
مدير دار الخليج للبحوث والاستشارات الاقتصادية
tawfiq@gulf-bureau.com