أشارت مصادر عاملة في قطاع التوظيف والموارد البشرية في دول الخليج إلى احتمال تفاقم الهوة بين عامي 2008 ? 2009 فيما يتعلق بالرواتب في المنطقة كاشفة عن مظاهر وانعكاسات سلبية جديدة للأزمة المالية العالمية في هذا الجانب، وتأتي تأكيدات الدراسات والاستبيانات المتخصصة في هذا المجال التي شملت عشرات الآلاف من الموظفين في دول المجلس خلال الأشهر الماضية على أن عام 2009م لن يكون أفضل حالاً من 2008م بالرغم من وجود ارتفاعات نسبية في معدلات الرواتب إجمالاً التي قد ترضخ للتآكل بسبب استمرار ارتفاع معدلات التضخم في المنطقة. ووفقاً للدراسة الأولى التي قامت بها شركة (غلف تالنت دوت كوم) المختصة في مجال التوظيف الإلكتروني مؤخراً حول حركة الرواتب في المنطقة، فإنه خلال فترة الـ12 شهراً المنتهية في أغسطس، جاءت الإمارات وقطر على رأس قائمة الزيادة في الرواتب بنسبة 13.6% و12.7% على التوالي، فيما أتت عُمان في المركز الثالث بنسبة 12.1%، يليها البحرين بنسبة 10.5%. وجاءت الكويت والسعودية في المركزين الأخيرين بنسبة زيادة بلغت 10.1% و9.8%. وقد شهدت جميع الدول الخليجية ارتفاعاً في معدلات الرواتب، إلا أن معظم هذه الزيادات قد تخفق في اللحاق بارتفاع تكاليف المعيشة. إلا أن الدراسة أشارت إلى أن البحرين قد شكلت استثناءً في هذا المسار حيث كان معدل زيادة الرواتب (10.5%) أعلى هامشياً من معدل التضخم المتوقع خلال العام الحالي في المملكة والبالغ 9.0% تقريبا.
وتصدر المهندسون قائمة الموظفين الأكثر طلباً بفعل التسارع المطرد في النمو لقطاعي البناء والطاقة في كافة أنحاء المنطقة الأمر الذي أدى إلى حصولهم على أعلى معدلات للزيادة في رواتبهم، يليهم الموظفون المهنيون في القطاع المالي. كما تسبب النقص في الكوادر والكفاءات في معظم القطاعات وارتفاع تكاليف المعيشة وبخاصة إيجارات الوحدات السكنية في زيادة الرواتب في المنطقة.
وارتفعت أسعار السلع الغذائية في المنطقة هذا العام كما هو الحال في كافة أرجاء العالم مما دفع بالتضخم بأرقام ثنائية إلى كل دول المنطقة.
وخلصت دراسة غلف تالنت إلى وجود عوامل أخرى أدت إلى الزيادة العامة للرواتب في المنطقة منها زيادة رواتب موظفي القطاع الحكومي وارتفاع الرواتب في دولة الهند التي تعتبر الرافد الرئيس للمهنيين الوافدين من خارج المنطقة.
كما يعتبر ضعف الدولار الأمريكي خلال الفترة الماضية أحد أبرز العوامل الأخرى وراء زيادة الرواتب حيث قامت العديد من الشركات باعتماد آلية حماية سعر الصرف في عروض العمل المقدمة للعاملين الوافدين.
وقد انخفضت الضغوطات بعد الارتفاع الملحوظ في قيمة العملة الأمريكية خلال الراهنة.
كما أن المنافسة الشديدة في المنطقة للحصول على الكفاءات أجبرت أصحاب الأعمال على التكيف مع ممارسات عمل جديدة وليس مع متطلبات زيادة الرواتب فقط.
وفي تحركات جديدة ونوعية فقد شهد العام 2008 تحول عدد كبير من الشركات التي كانت تتبع نظام العمل لستة أيام في الأسبوع - ومنها شركات كثيرة تعمل في قطاعي البناء ومبيعات التجزئة - إلى نظام العمل لخمسة أيام في الأسبوع سعياً لتحسين معدلات الاحتفاظ بموظفيها، ومن المتوقع لهذا التوجه أن يستمر ويتعزز لتصبح الممارسات في المنطقة متوافقة مع الممارسات المطبقة في أنحاء العالم. كما ظهر خلال العام الماضي توجه جديد يتمثل في ظهور الفروقات في الرواتب بين الموظفين الجدد ونظرائهم القدامى.
وأشار كثير من أصحاب الأعمال الذين شاركوا في الدراسة إلى أنهم يقدمون رواتب وبدلات للموظفين الجدد أعلى من تلك المقدمة للموظفين الحاليين الذين يقومون بنفس الأعمال في نفس الشركة، ومن المتوقع بحسب الدراسة أن تسبب هذه الفروقات في الرواتب توتراً ملحوظاً بين الموظفين وتؤدي في بعض الأحيان إلى ترك الموظفين القدامى لأعمالهم والبحث عن وظائف بديلة بمرتبات أفضل.
وفي السياق ذاته أوضح معظم مديري الموارد البشرية الذين شاركوا في الدراسة أن أمامهم أهدافاً توظيفية كبيرة خلال العام الحالي، وتوقع معظمهم أن يشهد العام 2009 زيادات في الرواتب شبيهة لما شهده عام 2008.
ويتوافق ذلك التوقع مع الأساسيات الحالية للاقتصاد إذا ما أخذ انتشار التضخم في كافة أرجاء المنطقة ومواصلة نمو الرواتب بأرقام ثنائية في الهند بالرغم من التباطؤ في الاقتصاد العالمي بعين الاعتبار.
وأفادت الدراسة أن الأشهر القليلة المقبلة قد تشهد بداية لتخفيف حركة الرواتب التصاعدية استنادا على قوة الدولار الأمريكي وعمق وتيرة التباطؤ الاقتصادي المتوقع في أسواق الدول الغربية ومدى انتشار مساحة تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية.
وفي الوقت ذاته وبالرغم من هذا التشاؤم حول الحالة الاقتصادية الحالية في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، أشارت الدراسة إلى إمكانية تدفق المهنيين الغربيين إلى منطقة الخليج - ومنهم من أصول عربية ومسلمة - على نحو لم تشهده المنطقة منذ سنوات عديدة وقد تتفاوت قدرة أصحاب الأعمال على الاستفادة من هذا التطور حسب القطاع والنشاط الاقتصادي والموقع الجغرافي في المنطقة وقدرة الإدارة على اجتذاب الكوادر الغربية واستيعابها.
أما الدراسة الثانية التي أجراها موقع بيت دوت كوم فقد أشارت إلى أنه وبالرغم من وجود الزيادات في معدلات الرواتب إلا أن زيادة تكلفة المعيشة خلال الأعوام الأخيرة تتسبب في زيادة عدم رضا العاملين بشكل ملحوظ مما يؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار في أسواق العمل والتوظيف.
وأوضحت الدراسة التي أجريت بالتعاون مع (يوغوف سيراجظ) للاستطلاعات، أن الشركات وأصحاب الأعمال في جميع دول الخليج بنسب متفاوتة، وخلصت الدراسة إلى أن الموظفين في القطاع الخاص، أفضل حالاً من أقرانهم في القطاعات الحكومية كما تعرضت الدراسة لإجابات حول الرواتب العالية في سوق العمل، حيث ظهرت دول الخليج ذات العمالة الوافدة الكبيرة الأكثر في عدم الاستقرار.
ففي قطر، قال حوالي 37% من الذين شملهم الاستطلاع، إنهم يفكرون جدياً في العودة إلى بلدانهم أو الانتقال إلى مكان آخر في منطقة الخليج لتحسين مستويات دخلهم وتظيمها.
يشار إلى أن الدراسة الأخيرة قد استطلعت الدراسة آراء عينة من الموظفين في دول الخليج وشملت أكثر من 20 قطاعاً من الأعمال واتفقت الدراستان على أهمية الاستثمار بشكل صحيح في تنمية الموارد البشرية باعتبار أن رأس المال البشري في منطقة الخليج محدود وهو الذي يضمن التنمية المستدامة لتحقيق الموازنة المطلوبة.