الجزيرة - محمد العمرو
القروض المتعثرة والديون المعدومة كابوس يعتري خطط وأرباح المؤسسات التمويلية والبنوك التجارية، وحِمل ثقيل على السيولة النقدية إذا ما تصاعدت نسبة التعثّر، كما أن الأزمة المالية العالمية أضافت بعداً آخر على سياسات التحصيل وملامح الاقتراض الجديدة حيث ذهبت غالبية البنوك إلى إعادة النظر في القروض الشخصية والتسهيلات الائتمانية ولا سيما أن العام 2009م وباتفاق العديد من الاقتصاديين لا يحمل في طياته بوادر أمل بالنتائج الإيجابية على جميع الأصعدة.
يقول الأستاذ نواف أبوحجلة الباحث وعضو هيئة التدريس في المعهد المصرفي إن القروض التي تكتنفها المشكلات هي نتيجة طبيعية ومنطقية من نتائج عمليات الإقراض المصرفي يصعب تجنبها أو تفاديها، فعند إبرام اتفاقية قرض ما، تكون هناك مخاطر لأحداث غير منظورة في وقت إبرام القروض سوف تقع في المستقبل لا يمكن التنبؤ بها أو توقعها، مما قد يجعل من المتعذر على المقترض حال تحققها أن يلتزم بشروط اتفاقية القرض ويصبح قرضه مشكلة بالنسبة للبنك، وتتعدد الأسباب التي تكمن وراء حدوث مثل هذه القروض.
ويضيف أن هناك أسبابا تعود إلى ممارسات العميل الخاطئة، فالكثير من القروض المتعثرة يمكن أن تعزى إلى الممارسات السيئة في إدارة المقترض لنشاطه والتي تشمل سوء الإدارة، أو سوء المنتج، وسوء التسويق، أو سوء الضوابط المالية، وهذه العناصر تنطوي على مفهوم الإدارة فالإدارة هي في الواقع مفتاح النجاح لأي نشاط وهي بمثابة الربان البارع الذي يستطيع أن يقود سفينته في مختلف الظروف والوصول إلى الهدف في النهاية.
وبين أبوحجلة أن هناك من الأسباب ما يعود إلى الظروف الخارجية المحيطة بالعميل والنشاط قد تؤثر التغيرات في الاقتصاد والنظم واللوائح والمنافسة والتقنية وغير ذلك من التطورات الأخرى تأثيرا عكسيا على أي نشاط مع هذا فهناك كثير من الشركات والمنشآت يمكنها أن تتوقع تغير الظروف وأن تكيف نفسها معها كل تلك التطورات التي قد تؤدي إلى مشكلات.
وأشار إلى أن القروض ترجع إلى عوامل عدة منها العوامل الاقتصادية فمن الممكن أن تؤدي التغيرات المعاكسة في الأحوال الاقتصادية العامة وكذلك الزيادات في أسعار الفوائد إلى إضعاف قدرة المنشأة على خدمة قرضها ففي فترات الانكماش - مثلا - تعاني شركات كثيرة من مشكلات التدفق النقدي نتيجة انخفاض حجم المبيعات أو بطء حركتها وزيادة التكاليف وارتفاع أسعار الفائدة، وبعض تلك الشركات القدرة لها على مسايرة ظروف الانكماش والكساد والتغلب عليها وبالتالي تصبح من أهم مصادر مشكلات القروض.
ويضيف الأستاذ نواف أنه من الأسباب التي تسهم في مشكلات القروض الممارسات الخاطئة من قبل البنك المانح للتمويل، حيث تبدأ متطلبات تفادي حدوث مشكلات القروض بصفة عامة بتقييم شامل ومتأن لطلب الحصول على التسهيلات الائتمانية، باتباع المبادئ الأساسية والأصول السليمة في كافة مراحل العملية الائتمانية مع المتابعة والمراقبة بكفاءة وفاعلية ومن أكثر تلك الأخطاء شيوعا عدم سلامة بعض الإجراءات ومنها المقابلة الأولية مع المقترض، وضعف التحليل المالي، وترتيب القرض، ومساندة القرض ومن أهم أسباب خسارة القرض أن تكون الضمانة الإضافية غير سليمة، كذلك فإن الاكتفاء بمعاينة الضمانة الإضافية معاينة عابرة من على بعد هو خطأ آخر شائع، وعدم توثيق التزامات البنك والمقترض، وعدم متابعة التسهيل ومراقبته فمن الممكن تجنيب البنك كثيرا من القروض المتعثرة إذا قام مسؤول الائتمان المختص بمتابعة القروض التي أجراها متابعة وثيقة.
وأشار الأستاذ نواف إلى أن القرض لا يتعثر بين ليلة وضحاها، بل يمكن استشراف والتنبه إلى العديد من بوادر الإنذار المبكرة التي تستدعي من البنك اتخاذ الإجراءات المناسبة لحفظ حقوقه ومنع تحول التمويل إلى قرض متعثر ومنها بوادر الإنذار المستشفة من القوائم المالية، وبوادر الإنذار المستشفة من الاتصالات مع المقترض، وبوادر الإنذار المستشفة من معاملات المقترض مع الغير، وبوادر الإنذار المستشفة من معاملات المقترض مع البنك، وفي حال تعثر العميل وبسبب عدم تنبه البنك للبوادر سابقة الذكر لا تخلو الخيارات المطروحة أمام البنك في هذه الحالة عن مواصلة العمل مع المقترض أو تسييل الضمانة الإضافية، وهذا الإجراء هو أحد البدائل الممكنة لحل مشكلة القرض، لاسيما حين يرغب البنك في الحد مما قد يستنزف من الوقت والموارد في مواصلة العمل مع المقترض وحين تواجهه احتمالات تحمل مخاطر إضافية إذا ما استمرت الأحوال المالية للمقترض في التدهور، وبالتالي يكون تسييل الضمانة الإضافية هو السبيل السريع نسبيا لتحصيل بعض الدين على الأقل وإنهاء متاعب البنك مع القرض المتعثر، وعلى نحو أكثر أهمية سوف يوفر مركز الائتمان شفافية في سوق الائتمان وسوف يظهر التاريخ الائتماني الجيِد للعميل والذي سوف يكون له تأثير إيجابي لحصوله على الائتمان.
5% قروض متعثرة
يقول المحامي والمستشار القانوني الأستاذ وائل محمود الصعيدي إن معدل القروض المتعثرة في المملكة إلى إجمالي القروض لا تتجاوز (5%) خمسة بالمائة، حيث بلغت إجمالي القروض المتعثرة عشرة مليارات ريال من أصل حوالي مائتي مليار ريال أقرضتها البنوك، وقد تجاوز عدد الأفراد المتعثرين (300.000) ألف شخص وذلك من إجمالي عدد المقترضين الذين يشكلون حوالي مليونين ومائتي ألف مقترض، وتُعتبر هذه النسبة مقبولة جداً إذا ما قورنت المملكة كدولة بباقي دول العالم.
ويضيف المستشار وائل قائلا بمقارنة نسبة القروض المتعثرة في عام 2008م إلى عام 2007م نجد أن هناك زيادة فيها بنسبة لا تتجاوز (30%)، حيثُ بلغت نسبة القروض المتعثرة في عام 2007م نحو سبعة مليارات ريال حسب التقارير والإحصائيات الصادرة ويتضح من هذه المقارنة السريعة أن نسبة زيادة القروض المتعثرة ترتبط طردياً مع زيادة القروض، حيثُ إن زيادة الإقراض يؤدي إلى زيادة في عدد المتعثرين في السداد.
وعند سؤاله عن نتائج الربع الأول قال الأستاذ وائل إن نتائج التحصيل في عام 2009م لم تظهر بعد، حيثُ إن البنوك لم تصدر بياناتها المالية عن الربع الأول ولكن من قراءتي للوضع العام أعتقد أن هناك انخفاض في تحصيل القروض، وذلك لتدهور الوضع الاقتصادي العالمي والذي أدى إلى استغناء بعض الشركات عن موظفيها الذين فقدوا مصادر دخلهم إضافة إلى أن تباطؤ الاقتصاد وعجلة التنمية سيؤدي لا محالة انخفاض التحصيل، وسيجد الموظف نفسه بدون دخل وسيعتمد على ما لديه من مدّخرات وفي هذه الحالة فهو يفضل أن يستبقي النقد لديه عن سداد ما عليه من التزامات إلى الجهات المانحة للقروض حتى يستعيد دخله ومن ثم العودة إلى سداد ما عليه من التزامات، أضف إلى ذلك أن آلية إلزام المتعثرين عن السداد في المملكة هي آلية ضعيفة، حيثُ لا توجد مؤسسات مالية تساعد على إعادة هيكلة القروض ولا نجد مؤسسات مالية تقوم بشراء القروض المتعثرة وإعادة هيكلتها، إضافة إلى أن الإجراءات القانونية تستغرق وقتاً طويلاً لاستعادة القروض ما بين القضاء والتنفيذ.
وأرجع وائل الصعيدي عدم التزام المقترضين بالسداد إلى عدة أمور منها ضعف الوعي الائتماني لدى المقترضين حيث إن عدداً من المقترضين يقترضون لأسباب استهلاكية بحتة ليس لها علاقة بالتنمية أو استثمار الأموال المقترضة الأمر الذي تُصبح معه القروض عبئاً على المقترض لأنه قد أنفقها في أمور لا تدر عليه عوائد يستطيع سداد القروض من خلالها، أضف إلى ذلك عدم لجوء المقترضين إلى المستشارين الماليين الذين لديهم القدرة على تقديم النصح والمشورة للمقترضين في إعادة هيكلة ديونهم بما يتناسب مع دخلوهم فيجد العميل نفسه مُحملاً بالديون والتي لا يقابلها دخل كافٍ لسدادها.
بوادر التعثر
وبالنسبة للمؤشرات والبوادر قال الصعيدي إن هناك عددا من المؤشرات تستطيع المؤسسات المالية الاستعانة بها لمعرفة المخاطر التي تحيط بالمقترض قبل منحه القرض منها سجله الائتماني الموجود لدى شركة سمه وكذلك إجمالي دخل المقترض ومصدر هذا الدخل فيما إذا كان دخلاً ثابتاً مثل الموظفين أو دخلاً متغيراً، كذلك إجمالي مصروفات المقترض فمثلاً المطلوب منه دفع إيجار السكن أو قسط السيارة هو عرضة للتعثر في سداد القرض أكثر من الذي ليس لديه التزامات.
وبسؤال عن التأمين على القروض من قبل البنوك قال الأستاذ وائل إن صناعة التأمين حديثة إلى حد ما في المملكة وبالتالي فإن ثقافة التأمين قليلة، ولا أعتقد أن لدى جميع شركات التأمين وثائق لتغطية القروض أو الديون المتعثرة، ومعظم البنوك لا تلجأ إلى التأمين على القروض ضد خطر التعثر في السداد إلا في أضيق الحدود، وذلك يكون في القروض الكبيرة التي تمنحها للشركات إذا كانت المخاطر التي تحيط بالقرض عالية، أما فيما يخص قروض الأفراد فلا أتوقع أن كثيراً من البنوك تقوم بتأمين قروضهم.
سمة ودور محوري
وردا على سؤال عن شركة سمه ودورها في عملية الائتمان قال الصعيدي إن الشركة السعودية للمعلومات الائتمانية (سمه) شركة تأسست قبل عدة سنوات من العشرة بنوك التي كانت قائمة في المملكة في ذاك الوقت ومرخص لها بالعمل من قبل مؤسسة النقد العربي السعودي، والهدف من تأسيس هذه الشركة هو تقديم معلومات ائتمانية للبنوك المؤسسة لها وذلك عن طريق الاحتفاظ بسجل ائتماني للأفراد أو الشركات المتعاملة مع البنوك يتم تحديثه بشكل دوري وقد انضم إلى عضوية الشركة عدد من شركات التقسيط والبنوك المحلية وشركات التطوير العقاري ومن أهداف شركة سمه مساعدة مناحي الائتمان بنوكاً كان أو شركات في اتخاذ القرارات الصحيحة عند تقديم القروض، فهي لديها قوائم تضم أسماء المتعاملين مع البنوك توضح التاريخ الائتماني للفرد أو الشركة والذي يستطيع مانح الائتمان من خلاله من اتخاذ القرار بمنح أو عدم منح طالب الائتمان للائتمان المطلوب، ووفقاً لسمه فإنها تُعتبر المقترض مُتعثراً عن السداد إذا تجاوز (180) يوما لم يقم خلالها بسداد ما عليه من قروض، وقد ساهمت شركة سمه بشكل كبير في تقليص مخاطر التعثر في السداد.
ومن ناحية تحليلية عن المؤشرات التي تنبأ عن القروض السيئة قبل التعامل ومن ثم التورط بدين معدوم قال الأستاذ إياد الصعيدي المحلل المالي والكاتب الاقتصادي إن هناك عدة مؤشرات تمكن المقرض من التنبؤ بجودة الدين قبل التعامل ومن ثم التورط بدين متعثر أو معدوم. منها مخاطر الائتمان وعوامل تجنبها. وتمثل مخاطر الائتمان عدم قدرة طرف على الوفاء بالتزاماته بشأن أداة مالية، مما يؤدي إلى تكبد البنك لخسارة مالية. كما أن البنوك تضع ضمن عملية مراقبة وإدارة المخاطر الائتمانية حدود معتمدة للائتمان وتتجنب التركيز على المخاطر غير الملائمة والتأكد من ملاءة العملاء والحصول على الضمانات الكافية. كما أن ديون البنوك المتعثرة وإن طالت فترة المطالبة بها لا تعني عدم تسويتها، حيث إن إدارات التحصيل في البنوك تتابع المتعثرين في سداد الديون وقد تأخذ هذه المتابعة وقتاً طويلاً إلى أن تصل إلى ديون مشكوك في تحصيلها. ومن المعلوم أن مؤسسة النقد العربي السعودي تفرض على البنوك تخصيص مبالغ كبيرة سنوياً لتغطية أخطار الديون. وتقوم البنوك بتخصيص مخصصات لخسائر الائتمان تحمل على مصاريف التشغيل لتكوين احتياطي كافي لتغطية الخسائر المتوقعة في محفظة القروض.
وأضاف الأستاذ إياد أن ما يحمل العميل على التعثر وعدم السداد عدة عوامل تختلف من عميل إلى آخر كلا حسب طبيعته من أبرزها الإفلاس أو مواجهه العميل بعض التعثرات المالية التي تؤثر بدورها على مقدرته بالوفاء بالتزاماته. وتعتبر معظم البنوك القرض الممنوح قرضا متعثرا في حال تأخر المقترض عن السداد لنحو ثلاثة أشهر، وعليه يقوم البنك في هذه الحالة بتخصيص مبلغ مالي للدين المشكوك في تحصيله ومن ثم تبدأ إدارة التحصيل في البنك بمتابعة المقترض والعمل على إيجاد حلول بديلة لمساعدة المقترض على السداد كجدولة الدين، وعند عدم التوصل إلى حل يعتبر القرض معدوما. كما أن قضية التعثر في البنوك طبيعية نظرا للنشاط المصرفي والعلاقة الطردية بين حجم الإقراض وتعثر الديون مع العلم أن نسبة الديون المعدومة إلى إجمالي القروض المصرفية تعد قليلة ولا تذكر ويعود السبب إلى أن الضمانات التي تفرضها البنوك على المقترضين تعتبر قوية جدا كما أن البنوك وضعت مخصصات خسائر ائتمان قوية بالنسبة للقروض ولا ننسى أن تحقيق البنوك أرباح استثنائية جعل من السهل عليها تخفيف نسبة ديونها المعدومة.
تأمين القروض
كما سألناه عن تأمين البنوك على القروض الممنوحة فأجاب أن هناك نوعين من القروض التي تتعامل معها معظم البنوك. القروض الخاصة ببطاقات الائتمان وهذه القروض يتم التأمين عليها من قبل الشركة المصدرة لها مثل (فيزا أو ماستركارد) والتي بدورها تقوم بتعويض البنك المحلي في حالة تعثر السداد. كما أن هناك نوعا من السندات يتم التأمين عليها. أما بالنسبة للقروض الشخصية وقروض الشركات فمن المعلوم أنه من غير الصحيح قيام البنوك بالتأمين على القرض وذلك بسبب التكاليف. وعوضا عن ذلك فإن البنوك تعتمد بشكل رئيسي على موظفي إدارتي الائتمان ومخاطر الائتمان والتي بدورها تتحقق من جودة القرض قبل منحه.
وعن مدى مساعدة شركة المعلومات الائتمانية (سمه) للحيلولة ضد القروض السيئة والتعاملات بين البنوك والأفراد قال الأستاذ إياد، تعتبر سمه من أهم المصادر التي تعتمدها البنوك في تقييم المتقدمين لطلب القروض وقد أحدثت تطورا كبيرا في هذا المجال بانضمام عدد كبير من الشركات في شبكة المعلومات لدى سمة. مما سهل على البنوك المشتركة في هذه الخدمة تبادل المعلومات. كما أنها تساعد الأفراد على بناء تاريخ ائتماني يمكن الاستفادة منه والحصول على سعر إقراض منافس نظرا لانتظامه في السداد.