مما تعاني منه الأجهزة الحكومية على كافة أشكالها ومهامها ضعف تواصلها مع الجمهور بشكل عام وجمهورها المستهدف بشكل خاص.
خلال الشهر الماضي التقيت بأكثر من مسؤول في جلسات خاصة قد تكون ودية أكثر من أنها عملية،
وتجاذبنا أطراف الحديث حول شئون جهاز هذا وذاك، ووجدت منهم جميعاً تطلعاً كبيراً في أن تصل رسالة جهازهم للمجتمع وأن يعي الناس الدور الذي يقومون به.
أحد هؤلاء المسؤولين الكبار معالي مدير عام الجمارك الأستاذ صالح الخليوي الذي يأسرك إذا تحدث عن هذا الجهاز الأمني الاقتصادي الأخلاقي المهم والخطير، هذا الجهاز الذي حتى وقت قريب كان الكثير من الناس لا يعرفون عنه إلا أنه مؤسسة تعني بالجباية من التجار تلك الرسوم، وتمنع المواطن القادم من الخارج من إدخال كتاب أو شريط أو ما شابه ذلك، وكاتب هذه الأسطر أحد هؤلاء المواطنين عليهم الأمر، لقد شرح لي مدير عام الجمارك الكثير من الأمور التي أجزم بأن المواطن يجهلها تماماً، ويجهل هذا الدور الكبير الذي يقوم به جهاز الجمارك تجاهها، وهذا التقصير والقصور في فهم المواطن بسبب أن جهاز الجمارك وحتى وقت قريب كان دوره مغيباً تماماً وكأنه جهة استخباراتية يجب أن تعمل بصمت تام..! هذا الصمت من وجهة نظري يضر بالمؤسسة العامة أياً كانت هذه المؤسسة أكثر مما ينفع، ولذا لا تستغرب عندما تجد مواطناً يحمل أوراقه لقضية ما ويتجه إلى الديوان الملكي أو رئاسة مجلس الوزراء وهو يصرخ مستنجداً لإنصافه، وإذا دقق في الأمر فإذا هو لم يذهب للجهة المختصة أصلاً.
إذا كنا نطالب بالشفافية في التعامل فبالقدر نفسه نطالب بوضوح الرؤية في الاختصاصات الحكومية أيضاً، حتى لا يضيع وقت المواطن بين غدوة وروحة وإشغال لهذا الجهاز وذاك دون تحقيق لنتائج أو قضاء لحوائج، لماذا لا يكون لدى كل وزارة أو مصلحة حكومية إدارة مهمتها فقط إرشاد المتعاملين معها وعبر الهاتف والبريد الإلكتروني بما يجب؟.. وما هي الآلية الصحيحة لإنجاز معاملة هذا المواطن دون تكبيده عناء الذهاب هنا أو هناك.
لقد عانى المتعاملون مع بعض الأجهزة الحكومية وما زالوا يعانون من قضية سنترال هذه الوزارة وتلك وأنه يعاني من تخلف كبير سواء في عدم تجاوب الموظف القائم عليه أو تخلف هذا الجهاز تقنياً، ونحن الآن على أبواب الحكومة الإلكترونية ماذا عسانا أن نقول..؟.
التفاؤل مطلوب، ولكن المعجزات ذهبت مع الأنبياء والرسل.. وموظفو كثير من أجهزتنا الحكومية يعانون من أمية مركبة، والمصيبة ليست هنا ولكن المصيبة أننا كجهات رسمية لا نعترف بذلك، موظف لا يجيد فن التعامل مع الجمهور ومع ذلك يوضع في مقدمة مقدمي خدمات الجمهور..!، وآخر لا يعرف كيف يفتح جهاز الكمبيوتر ومع ذلك يعمل في إدارة الحاسب الآلي!، وآخر وآخر حدث ولا حرج.
قد لا يكون العيب في هذا الموظف، ولكن العيب المؤكد في الإدارة التي ظلمته ووضعته في المكان غير المناسب.
إن الإدارات الحكومية مطالبة أكثر من ذي قبل بأن تنفض عنها الغبار وتواكب التطور المتسارع خدمة للوطن والمواطن، فكم قلنا إننا في زمن السرعة ولكن -للأسف- كثيراً من الإدارات الحكومية لا تعترف بهذا، وما زالت مصرة على أن تبقى متخلفة عن ركب التقدم الإداري الذي يعتمد كلية على التقنية الحديثة في قضاء مصالح المواطنين.
الجوازات، المرور، البلديات، قطاعات مهمة ولها اتصال مباشر مع كافة شرائح المجتع ومع ذلك ما زالت محاولاتها في أن تتحول إلى حكومة إلكترونية متعثرة، وكلما قلنا خطوا خطوة إلى الأمام تراجعوا مثلها إلى الخلف..!.
السؤال الذي يطرح نفسه هل الاستفادة من خبرات الآخرين من عرب وعجم غير ممكن؟ إذا كان الجواب بل ممكن، وهذا هو الجواب الأكيد، فلماذا لا يستفاد منهم ليس في التخطيط فقط، فهذا قد يكون موجوداً بشكل أو بآخر ولكن يستفاد منهم كموظفين في الإدارات نفسها لعل عدوى المسؤولية والإتقان تصيب من لا يريدون أن يتعلموا.
إن هذا المقترح لا يتعارض مع السعودة، بل هو الداعم الحقيقي لتحقيق هذا الهدف الوطني الكبير، فمن المعلوم أن كافة إدارات الدولة كانت تقوم على خبرات الأشقاء العرب حتى وصلت في يوم ما إلى حد الاكتفاء، ولذا فالعودة إلى برنامج الاستفادة من خبرات الآخرين لا يعد أبداً عيباً في قدراتنا بل هو ميزة نضيفها على إدارتنا.
almajd858@hotmail.com