حينما يمر على الإنسان أي حدث مفرح لأحد ممن حوله، فلن يجد صعوبة، صياغة تهنئة مناسبة له، ذلك أنه في الغالب سيكون المستفيد من ذلك الحدث شخص واحد أو جهة واحدة ويستحق عليها التهنئة، ولكن عندما تكون المناسبة بحجم تعيين صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء فإن المواطن يحتار فيمن يوجه له التهنئة، فلا يمكن أن يتصور الإنسان أن سموه هو المستفيد فقط، فليس ذلك بصحيح على إطلاقه فالمهمة التي أنيطت بسموه تكليف إضافة إلى كونها تشريف، وهي تكليف من خادم الحرمين الشريفين وهو الأعرف بالرجال، فشكر الله للمكلف، وأعان الله المُكلف، كما أنها تشريف لسموه من جانب آخر كونه أفنى عمره في خدمة الوطن والمواطنن ولن يكون هذا المقال سرداً لما يتصف به سموه من حنكة ودراية وحسن تدبير وسياسة للأمور، ويكفي أن نتعرف على الأمور الجسام التي مرّت بها المملكة العربية السعودية خلال السنوات الثلاثين الماضية والتي كان يتسنم فيها قيادة الأمن في البلد، فمن فتنة الحرم عام 1400هـ، إلى حرب الخليج الأولى ثم الثانية، وما استتبعها من مشاكل حدودية لا تخفى مع عدد من الجارات، وما زامنها من حوادث داخلية، مروراً بأحداث الحادي عشر من سبتمبر وتداعياتها على سمعة المملكة في الخارج، وخلال ذلك كله تلك التهورات المتتالية من الفئة الضالة داخل أراضي المملكة، فهي أحداث تصدت لها وزارة الداخلية بقيادة وزيرها الحكيم الأمير نايف.
ومن هنا فالتهنئة لسموه هي بتشريفه بذلك المنصب الذي سيكون عبئاً على عبء فأعانه الله عليهما، فضلاً عن مهامه الجسام الأخرى في المجالس واللجان المتعددة، ولكن هناك تهنئة ثانية، وثالثة ورابعة، أما التهنئة الثانية فهي للمواطن العادي، الذي لا يزال سموه يحمل همه، ويسعى لتفعيل الطرق العملية لتحقيق الحياة الكريمة له منطلقاً سموه من نظرة شمولية وهي كون وزارة الداخلية ليست معنية بالأمن بمنظوره الضيق، بل بمفهومه الشامل الذي يفهمه سموه بالفعل، ويطبقه على أرض الواقع العملي، والمتضمن تحقيق الأمن بمختلف جوانبه للمواطن، سواء كان أمناً فكرياً، أم اجتماعياً، اقتصادياً، أم عسكرياً، فمما لا يعرفه بعض المواطنين، أن قضية معالجة الفقر على سبيل المثال باعتبارها تحقق الأمن الاقتصادي والاجتماعي للمواطن لتكمل سلسلة الأمن الشامل، هي من القضايا التي لها ملف مفتوح بشكل دائم في مكتب سموه ومجالسه، وذلك منذ أن أعلن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بداية العمل الحثيث لمعالجة مشكلة الفقر، ومنذ أن أبرز خادم الحرمين الشريفين هذه المشكلة الاجتماعية إلى سطح العمل التنفيذي الحكومي لمختلف القطاعات.
وحرص سموه على معالجة الفقر مما يشهد به كل من يعمل في مجال معالجة الفقر، فهذه المشكلة أصبحت مؤرقة لسموه، فلقد شرُفت بلقاء سموه بصحبة معالي وزير الشؤون الاجتماعية السابق وسعادة وكيل الوزارة وذلك لعرض (أطلس الضمان الاجتماعي) على سموه، فكانت التوجيهات الاجتماعية المتخصصة المتواصلة من سموه، والتأكيدات المتتابعة للسعي للوصول إلى المحتاج المتعفف في مختلف مناطق المملكة، وما حرص سموه إلا نابع من إحساس المسؤول الذي لا يفرق بين منطقة وأخرى أو مواطن وآخر.
أما حرص سموه على الأمن الاجتماعي والفكري، فغني عن الحديث موضوع الجهود التي تبذلها وزارة الداخلية بقيادة سموه في مسألة الحرب الفكري على الإرهاب واجتثاث أصوله بشكل احترافي نظر له المواطن بعين الشكر، وتحدثت آثاره عملياً، هذا بالإضافة إلى الجهود العسكرية والأمنية لمكافحته، لكن الحديث هنا عن الحرب الفكرية عليه، ولعل ما يجسد اهتمام سموه بالأمن الفكري بشكل واضح هو رعايته اللقاء العلمي عن (الأسرة السعودية والتغيرات المعاصرة)، والتي نظمتها الجمعية السعودية لعلم الاجتماع والخدمة الاجتماعية في الرياض عام 1429هـ وحضوره الشخصي لها وافتتاحها على الرغم من مشاغله التي لا تخفى على الجميع، ثم تتويج سموه لذلك اللقاء بتوجيهاته المباشرة لأعضاء مجلس إدارة الجمعية - وكاتب هذا المقال منهم - مشدداً على أن دور المختصين في علم الاجتماع يجب أن يكون حاضراً وبقوة في علاج مشكلات الأسرة السعودية بعامة وقضية التطرف بشكل خاص، فمن توجيهات سموه التي استمعنا إليها وكانت تماس الواقع بشكل يفوق في طرحها طرح العديد من المختصين الاجتماعيين، وكيف لا يكون كذلك وهو من خبر المجتمع السعودي بمختلف شرائحه طوال عقود من الزمن، فمما عُرف عن سموه قدرته الفائقة في التعامل مع مختلف طبقات المجتمع، والفئات والشرائح الاجتماعية في المجتمع، وليس هذا فحسب بل شعور كل منها أنها الأقرب لسموه، ومعرفة سموه بخصائص كل فئة اجتماعية في المملكة، وهذا ما جعله يعرف كيفية التعامل مع الكل، وبشكل متميز، وفي مختلف الظروف الأمنية والاجتماعية، لذا ليس بمستغرب أن يكون سموه مستحقاً لقب (رجل الأمن الاجتماعي).
أما التهنئة الثالثة فهي للوطن بتنوع أطيافه وتعدد مناطقه الجغرافية، وتعدد مشاربه الفكرية، فهنيئاً للوطن استلام سموه مثل هذا المنصب الذي سوف يعمل من خلاله على تحقيق التوازن الاجتماعي بين أطيافه المختلفة، وتحقيق التنمية المتوازنة بين مناطقه المتعددة، فمما يعرف عن سموه سعيه الحثيث لتحقيق التوازن الاجتماعي والاقتصادي والتنموي بين مناطق المملكة؛ فالوطن لديه واحد والمواطن واحد حيثما كان وأينما وجد داخل حدود المملكة، أما التهنئة الرابعة فهي لمقام خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين، فلاشك أن وجود سمو الأمير نايف في هذا المنصب سيكون عضداً لهما وعونا لهما بعد الله عز وجل، وسيعمل على تخفيف الأعباء الكثيرة التي تحملاها وما زالا يتحملانها، فسموه - بحق - رجل المهمات الصعبة في داخل المملكة وخارجها، ولا يجد المواطن ثمة كلمة يزجيها لخادم الحرمين وولي عهده الأمين على هذا التعيين الموفق بإذن الله وبكل المقاييس، سوى أن يقول شكراً جزيلاً بملء فيه وبحجم ما نحمله من حب وولاء لهذا الوطن العزيز على قلوبنا، فوفقك الله يا سمو الأمير وأعانك على أمورك وشدَّ عضُدك بالرجال الأوفياء المخلصين، وسدد على دروب الخير خطاك وحفظك من كل سوء.
والله من وراء القصد.
الوكيل المساعد للضمان الاجتماعي
عضو مجلس إدارة الجمعية السعودية لعلم الاجتماع