عادت عمليات القتل والتفجير الانتحارية للعراق، والتي لم تقتصر على بغداد بل شهدت الموصل وديالى بعضاً من هذا التدهور الأمني الذي فرض على الأمريكيين وعلى الحكومة العراقية إعادة حساباتها والكف عن الحديث السابق عن السيطرة الأمنية في العراق.
ما الذي حصل وماذا حدث حتى يتغير الوضع، من أخذ بالاتجاه نحو الهدوء وتقليص الأعمال الإرهابية إلى انفجار الوضع والعودة إلى الأجواء السابقة، حيث كان الاتهام موجه إلى عناصر القاعدة..؟!
لا يوجد هنا جديد سوى العرض الذي قدمه رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي للبعثيين للانخراط في العملية السياسية، هذه الدعوة وجد فيها كثير من متابعي الملف العراقي دعوة (مشوشة) وغير واضحة المعالم، فلم يفهم العراقيون هذه الدعوة، كما لم يفهم لمن وجهت الدعوة لهم، وعدم الفهم لهذا يشترك فيه البعثيون جميعاً والذين يمكن تصنيفهم إلى خمسة أصناف سنأتي على ذكرهم، ولم يفهم حلفاء وجماعة نوري المالكي المقصود بدعوتهم للاشتراك في العملية السياسية، هل هم البعثيون الذين ما زالوا ملتزمين بفكر الحزب، وهل يشمل ذلك المقاتلين والمنخرطين في المقاومة العراقية، وهل هم جناح عزة إبراهيم الدوري، أم جناح الأحمد، أما الجناح الذي يسعى إياد علاوي والمنشقون عن البعثيين منذ زمن صدام تكوينه؟.
كما أن الشروط التي وضعها نوري المالكي والتي اعتبرها البعثيون تقليلاً من مكانتهم ومن قوتهم، هي التي جعلتهم يحركون خلاياهم النائمة والبدء في تنفيذ عدد من العلميات التي جمعت بين العمليات الانتحارية والكمائن، كما يقول المطلعون على أوضاع العراق.
والحديث عن إعادة حزب البعث إلى الحياة العامة عبر إشراكه في العملية السياسية الجارية في العراق لم تكن وليدة الساعة، ولم يكن نوري المالكي أول من دعا إلى ذلك، فقد سبقه إلى ذلك العديد ممن يقودون العملية السياسية في العراق، بدءاً من الأمريكيين إلى الحكومة العراقية الحالية، ولكي يكون الحديث واضحاً لا بد وأن نشرح من هم البعثيون العراقيون الآن، الذين حصرهم تقرير المركز الإعلامي العراقي في واشنطن في عدة أجنحة، وهذا التقرير الذي كتب بلغة معادية للبعثيين، إلا أنه يوضح وإلى حدٍ بعيد خريطة البعثيين العراقيين الذين قدر عددهم عند سقوط نظام صدام حسين بمليون ومائتين ألف، منهم اثنان وثلاثون ألفاً عضو قيادة فرقة، وستة آلاف عضو قيادة شعبة ومائتان وخمسون عضو قيادة قطرية وهؤلاء أيضاً مقسمون إلى عدة فصائل.
القسم الأول: الذين يخالفون العملية السلمية ويعتبرون ما حصل احتلالاً وانقلاباً غير شرعي، ولذلك يواجهونه بالسلاح فبادروا إلى تشكيل مجموعات مسلحة قدر عددها بحدود 22 فصيلاً مسلح.. وهذه الفصائل بعضها أغرته الوعود فانضم للعملية السياسية مستفيداً من الغنائم المالية وبعضهم اندمج لقوات الصحوة وخصوصاً في بغداد والرمادي وتكريت وديالى.
القسم الثاني: هم المعارضون للعملية السياسية ممن غادروا العراق إلى الخارج واستقر معظمهم في دول الجوار خصوصاً في سوريا والأردن ومصر، وتتميز هذه المجموعة بأنها تضم قيادات حزب البعث بكافة أجنحته وقياداته الأمنية والعسكرية والحزبية، والتي يصنفها تقرير مركز الإعلام العراقي إلى:
1- جناح عزت الدوري، الذي يعتبر نفسه الوريث (الشرعي) لقيادة قطر العراق، وإن من أبرز المتحدثين فيه (أبو محمد) الناطق الرسمي باسمه، ويطالب هذا الجناح بإلغاء النظام العراقي الحالي، وكذلك كل نتائج العملية الانتخابية، كما أنه يصر على عودة (حزب البعث) إلى الحياة السياسية وإلغاء قرارات حظره واجتثاثه.
2- جناح يونس الأحمد، وهو عضو قيادة قطرية ونائب أمين سر المكتب العسكري للحزب في فترة حكم صدام حسين، وكان مديراً لدائرة التوجيه السياسي في الجيش العراقي آنذاك، وشغل لفترة من الزمن، منصب محافظ الموصل، ويعتبر البعض أن هذا الجناح يقف إلى يسار الجناح الأول، ولقد اشترك في عدة جولات تفاوضية، سواء مع القيادات العسكرية الأمريكية أو مع جهات سياسية عراقية مشاركة في العملية السياسية الجديدة.
3- جناح مزهر مطني عواد، عضو القيادة القطرية في زمن صدام حسين، بقيت هناك عناصر منتمية متفرقة، تتردد أسماؤها بين تيار الدوري ويونس الأحمد، أمثال عبدالباقي السعدون وعلي عبدالجليل وصلاح المختار.
4- ولا ننسى أن نذكر الجناح الذي يديره مدير مخابرات صدام حسين الفريق طاهر جليل الحبوش.
أما جناح ابنة صدام، رغد، والتي كانت قد هربت إلى الأردن الذي تستقر فيه إلى الآن، فهو الآخر يقود عملاً مسلحاً ضد العراق، وهو يتشكل من الكوادر (البعثية) ويستقر بأغلبيته في منطقة تكريت، وإن كان هذا الجناح يفتقر إلى أي نفوذ سياسي.
وهناك جمهرة من (القيادات البعثية) التي آثرت السكوت فلم يعرف عنها أي تحرك لا سياسي ولا غيره، فيما أظهرت في عدة مناسبات رغبتها في الانخراط بالعملية السياسية ومن دون شروط، منها على سبيل المثال لا الحصر، نعيم حداد وآخرون.
5- أما القادة العسكريون في زمن صدام حسين، فيوجد منهم العشرات موزعين في عدد من دول الجوار، وهم يرغبون بالعودة إلى العراق من دون شروط، مع ضمان حقوقهم الوظيفية السابقة.
تبقى شريحة أخرى من (البعثيين) وهم الذين عارضوا نظام صدام حسين، ممن كان يطلق عليهم اسم (حزب البعث الجناح السوري) أو (حزب البعث اليساري) ومن أبرز قادة هذا التيار محمد رشاد الشيخ راضي ممثل تنظيم قيادة قطر العراق في حزب البعث في سوريا.
هذه الخارطة لأجنحة حزب البعث الذي يقف أنصاره وأعضاؤه خلف عودة العنف للعراق كما يقول العارفون بالملف العراقي توضح صعوبة التفاهم مع هذا الحزب لتعدد الأجنحة التي كل منها له موقف ورأي سنوضحه في حلقة غد من خلال ما تم من لقاءات بين البعثيين والأمريكيين والحكومات العراقية التي أقيمت بعد الاحتلال.
jaser@al-jazirah.com.sa