وهي فاطمة بنت الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ورد ذكرها في كتاب الأستاذ (أحمد عبدالغفور عطار عن الإمام(محمد بن عبدالوهاب)، وكتاب الزميلة د.دلال الحربي (نساء شهيرات من نجد) والمتتبع لسيرتها سرعان ما يفاجأ بذلك الحضور العلمي اللافت الذي ميزها على نساء عصرها، وتلك الفاعلية التي أفسحت لها مكاناً في كتب التاريخ.
وقد سمتها كتب التاريخ بذات الهجرتين، فبعدما هدمت (الدرعية) على يد جيوش إبراهيم باشا، فرت إلى رأس الخيمة في الإمارات، ومن ثم استقرت لفترة من الوقت في (عمان)، وكانت طوال فترة إقامتها هناك تنشر العقيدة السلفية، فكانت أحد عوامل نشر الدعوة السلفية في عمان، ومن ثم عادت إلى الرياض. ويقال إنها لم تتزوج ونذرت نفسها للتعليم، بل يقال إنها كانت تجيز بعض طالبي العلم، والإجازة آنذاك هي بمثابة الشهادة في وقتنا الحاضر.
فاطمة بنت محمد كانت مؤسسة أكاديمية علمية بحد ذاتها، منتجة فاعلة متفاعلة حاضرة في مشهد دعوة الشيخ بن محمد بن عبد الوهاب.
السؤال المؤلم الحارق الذي يبزغ الآن أمام ناظرينا: أين هذه السيرة العطرة عنا، عن كتب التاريخ، عن المناهج المدرسية، وعن الطروحات الإعلامية الدينية؟؟
لِمَ يغيب تاريخ العديد من نساء الجزيرة العربية كنموذج مشرق للأجيال، ويستبدل به كل ما يهين المرأة ويفضي إلى قصورها ونقصان دينها وعقلها وعدم أهليتها؟ لِمَ تزال تطمس سيرة غالية البقمية، وموضي البسام، وفاطمة الزامل السبهان التي حكمت حائل في فترة ما مطالع القرن الماضي؟ وتستبدل بها المناهج التي لا تعرف عن النساء سوى دماء الحيض، والمرأة القاصرة التي لابد أن يؤخذ على يدها؟
من الذي يختطف تاريخنا؟ ويطمسه ويزوره؟ حتى إذا وقفت واحدة من النساء وأشهرت صوتها، وجأرت بالشكوى وطالبت بحقوقها ومساحتها وحيز مشابه للحيز الذي كانت تتمتع به جداتها في هذا المكان، بادروها بالويل والثبور وعظائم الأمور وقلة الحياء وتهم التشبه بالغرب والانقياد له.. وما هنالك من الكليشهات التي حفظها وملها الجميع؟ أمن أجل أن تبقى النساء منصاعات طيعات قابلات للانقياد المغيب للإرادة، الإرادة التي هي جزء من التكليف الإلهي...لكننا نعرف والتاريخ يخبرنا بأنه قد أخطأ عمر...وأصابت امرأة.
هذا المناخ الجاهلي الذي مازال يسعى إلى وأد النساء معنويا، من الذي أتاح له الأدوات, وأباح له أن يرفع عقيرته ضد تمكين النساء؟ من الذي جعل ثلة من القوم تعترض على أن تقود أكاديمية متعلمة متفوقة ذات خبرة وتاريخ إداري مثل (نورة الفايز) قيادة تعليم البنات (وهو قطاع على كل حال لطالما عانى من الفشل والتعثرات أيام القيادات الرجالية)؟
من الذي طمس وغيب وأخفى سيرة جداتنا فاطمة وغالية وموضي؟ وأبقى لنا التزمُّت والتعصب والفكر الجاهلي الذي يسعى إلى وأد النساء وتغييبهن عن المشاركة في المهمة الموكلة لبني البشر....لإعمار الكون؟